للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

خلفائهم في الميدان

وقد خطر لي هذا الخاطر يوم نقل البريد الإنجليزي إلينا أقوال لويد جورج وأحاديثه التي يذكر فيها أنه يتلقى الرسائل كل يوم بتعجيل مؤتمر السلام، وأنه يرى (أن تتولى الولايات المتحدة عقد هذا المؤتمر، وألا يكون أساس البحث فيع عودة الحدود البولونية والتشيكية إلى ما كانت عليه قبل احتلال الألمان، بل ضمان الوسيلة التي يتحقق بها دوام السلام بين شعوب العالم)

عجبت لهذا الرأي يصدر من الرجل الذي ألَّب الدنيا على غليوم الثاني، وهو لم يبلغ مبلغ هتلر من إقلاق الشعوب وإهدار العهود وإزعاج الشرق والغرب بالتهديد وراء التهديد، والإرهاب في ذيل الإرهاب.

عجبت لمثير الأمم كلها إلى الحرب كيف يحجم هذا الإحجام، ويرتاع هذا الارتياع، ويحسب أن الحرب شر من العواقب التي لا تنقطع فيها الحروب ولا تهدأ فيها الفتن لو نجح هتلر فيما ابتغاه وفقدت الشعوب كل سند تستند إليه حيثما جمح به هواه، وعاد إليه ديدنه وهجِّيراه؟

أهذا لويد جورج الذي كان يقسم لا يتركن غليوم حتى يشد بيديه حبل مشنقته في العاصمة الإنجليزية؟

أهذا لويد جورج الذي كان يقسم ليفتشن جيوب الألمان فرداً فرداً عن بقية الدراهم الباقية عليهم من غرامات الهزيمة؟

كلا!

إنما لويد جورج الذي يقول هذا هو كما قال شاعرنا العربي:

فكأني وما أزيَّن منها ... قُعَديٌّ يزِّين التحكيما

لا ينصح بالسلام إلا كما ينصح الرجل بالعفة إذا خمدت فيه نار الغرام. أو هو كما قال خصومه (لويد جورج في السادسة والسبعين)!

أما لويد جورج الذي شن الغارة العالمية على غليوم الثاني فقد كان رجلاً آخر، لأنه كان لويد جورج في نحو الخمسين.

وشتان اللويدان!

<<  <  ج:
ص:  >  >>