وإذا جاوزنا مثل هذه المبادئ الخلقية العامة التي لا ننكر ضروتها من الناحية النظرية في حياة الجماعة، والتي وجدت لها، منذ أن عرفت الجماعة البشرية النظام، أنصاراً مدافعين إلى حد التضحية بأرواحهم أو بمتعتهم الشخصية في هذه الحياة - إلى الصفات التي هي أقرب أن تكون مذاهب فردية، نجدها كذلك لا تنعكس على مرآة الواقع طبقاً للصورة التي صاغها العقل فيها
فالذي يدين بمبدأ الصراحة، إذا أراد أن يتخذها أساس تصرفه وقوام عمله، سوف يجد عنتاً في بيئته وسوف تعقد الأمور في طريقه لأن سبل الحياة نفسها ملتوية ورغبات الأفراد فيها مختلفة لا تنال إلا عن طريق إخفائها
والذي يقدر كرامته تقديراً مثالياً، ينفر أشد النفرة، مما يتوهم فيه جرح عزته والحط من مكانته، سوف يصطدم مع الواقع صدمات عنيفة لأن ما في الواقع منازع له ولغيره. والنزاع كثيراً ما يكون سبباً مباشراً في اعتداء أحد المتنازعين على الآخر، والاستخفاف بالمعتدي عليه أخص مظاهر الاعتداء
والذي ينزع إلى فهم الصداقة على أنها يجب أن تسود كل العلاقات الممكنة بين شخصين سوف تكون آلامهُ من جراء هذه الصداقة أكثر من سروره بها، لأن التنافس والعمل على تحقيق المصالح والرغبات الشخصية، وهما من الغرائز الفطرية في الفرد، مما يحول دون الوفاء بمقتضيات الصداقة على هذا النحو
فالمبادئ النظرية لم توجد بعد في الواقع كما حاكها العقل النظري، أو على حد تعبير (كانت) العقل الخالص، لا كما صورها الخيال
ولكن هذا لا يمنع من تأييد الفيلسوف إلى حد ما إذا دعا لمبدئه، ورجل الدين والأخلاق إذا نادى بالتقرب من المثل العليا لأن غاية كل منهما تقليل شرور المجتمع (وليس رفعها لأنها من طبيعة الإنسان)
وإنما على الذين عاشوا حتى الآن في حياة النظر، واسترسلوا في خيال الأمل وحددوا مصيرهم على فروضه ألا تدفعهم الرغبة في تقليد المثاليين (إلى طلب مثلهم العليا حقائق واقعة لأن المثل الأعلى لم يكن كذلك إلا لبعده عن تحديد المشاهدة - وما يشاهد قريب منه فقط -، عليهم أن يربطوا بين حياة النظر وحياة العمل حتى لا تكون خيبة الأمل فاجعة إذا