ومما قاله في هذا الصدد:(لن يستطيع رجل أن يعيش وحده، وهاأنذا لا أجد حولي من يدري ما أفكر فيه وما أبتغيه) ووصف ذلك العصر بقوله: (إنه عصر انحلال خلقي، عصر إنكار، عصر كذلك الذي مات فيه المسيح)
وكأنه كان بينه وبين الدهر ثأر فهو لا يأبى إلا يتيه بالمحن بعضها في إثر بعض، فلقد جاءه وهو في غربته نبأ وفاة أخته العذراء، وقد كان يحبها أشد الحب إذ كانت تكبر مبادئه وتعجب به من أجلها، وكان إعجابها هذا به يزيده حماسة وأملاً. وكيف نستطيع أن نصف مبلغ حزنه على أخته التي ذهبت فلن يراها أبداً وهو ذلك الشاعر الرؤوف العطوف الذي يهب حبه الناس جميعاً؟
وكان الأسى يرمض فؤاده كلما مر ذكر ما عسى أن يكون عليه حال أمه المحزونة، ويتضاعف حزنه إذا حدثته نفسه أنه كان سبب كثير من شقائها بما جره على نفسه من العذاب والغربة، ولكن شيئاً واحداً كان يخفف عنه بعض ما به، وذلك شعوره أنه يلقى ذلك كله من أجل وطنه ومبادئه.