أننا نضحك وإن كنت أنت تضحكين بقدر، وأنا أضحك بكل القوة التي في القدر والقضاء. وبهذه المراقبة يا آنستي تستطيعين أن تفهمي الناس، وتستطيعين بعد ذلك أن تكتبيهم وتصوريهم أو تعزفيهم أو تغنيهم أو تلعبي بهم ما شاء لك الفن. . . ولكن عليك - كما رأيت - أن تعرفي نفسك أولاً، وأن تحكمي عليها دائماً مهما آلمك هذا الحكم، وإذا كنت تكرهين الألم فحاولي أن تصلحي نفسك بالحق، واحذري أن تخدعيها بالباطل لأن الباطل يتلفها فلا تعود تصلح مقياساً للحق الذي تنشدينه، فالحق مستقيم، ولا يقيسه إلا ما استقام، ولا يمكن أن يحصره حلزون. . .
- وكيف تعرف الحق؟
- الحق معروف، هو ما فطر عليه الناس لا ما اصطنعوه، الله خلق الخلق بالحق. . . فالحق فيهم، وهو إلى اليوم على رغم ما جاهدوه طويلاً لا يزال فيهم، ونحن نعرفه في البشر بذيوعه بينهم على اختلاف ألوانهم وأجناسهم. فالموت حق لأنه يتناول الناس جميعاً، والحب حق لأنه يتمكن من قلوبهم جميعاً، والفن حق لأنهم يطربون جميعاً. . . هذا هو الحق. . .
- هذا حسن. فكيف تريدني أن أبدأ في تفهم هذا النوع من الحق الذي تدعي حدوثه بين الأجسام، والذي يخيل إلي أنك تجعله كتيار الكهرباء. أنظر مثلاً: هذا رجل ممتلئ رجولة، هو أيضاً كذلك الذي رأيناه في البدء، وهو ينظر إلى هذه السيدة ولكنها تتحسس رأسها من الخلف لا من الأمام، فهل حركتها هذه هي أيضاً تدل على أن تياراً أنبثق منه نحوها، وأن هذا التيار أثر فيها إلى آخر هذه الدعاوى التي تدعيها. ليست المسألة إلا ارتباكاً فقط
- ما الذي قلناه شك. وكل ما في الأمر أن هذه السيدة أنضج أنوثة من الآنسة الأولى التي هي أنت، وعينها أشد تبجحاً من عينك، وحيلتها أوسع من حيلتك، وأعصابها أقوى من أعصابك. . . لقد رفعت يدها لتمر بها على جبهتها مثلما صنعت أنت، ولكنها أفاقت ويدها في منتصف الطريق فبدلاً من أن تضع يدها على موطن (النغزة) في جبينها الفت بيدها إلى قفاها. . . وهذه هي الدرجة الثالثة من درجات الصد
- وهل للصد درجات. . . غير ما فعلتُ وما فعلتْ؟
- نعم. . . أولى درجاته هي ما يلجأ إليها الأطفال عندما يهاجمهم مهاجم بعينيه ونظراته. .