للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطغيان المسلح الكافر الأثِر، نظرت هي في يومها وفي غدها فتعالج ضعفها بما تعالج به الطبيعة ضعف النمل والنحل والقرود: وهو التجمع و (التكتل) والتعاون، فيكون بين البلاد المتجاورة، كدول البلطيق وأمم البلقان وشعوب الإسلام، شبه ما بين الدول المتحدة في أمريكا من اتحاد السياسة الخارجية والدفاع العام والدستور المشرع والرئيس الحاكم. وإذن لا يبقى على الأرض أمة صغيرة يقوم على استعمارها النزاع، ويميل من جرّاها ميزان السلامة. واعتبر ذلك مثلاً ببلاد الوطن الإسلامي الأربعة عشر: مراكش وتونس والجزائر وليبيا ومصر والسودان وفلسطين وسورية والحجاز واليمن والعراق وتركية وإيران وأفغانستان إذا انتظمها كلها اتحاد كاتحاد الولايات الأمريكية الثماني والأربعين، وقدَّر في نفسك ماذا يقدم هذا الاتحاد القائم على صلة الدم أو على نسب الروح من الخير المتصل للعالم والضمان الدائم للسلام

إن الحلفاء الديمقراطيين المنتصرين متى جلسوا إلى مائدة الصلح سيذكرون ما صنعوا في فرساي من تقسيم الممالك وتمزيق الشعوب وتركها في حمى الضمير الإنساني والحق الأعزل دون أن يكون لها من شَرهَ الدول الكبيرة وشرها نصير ولا عاصم. وسيفكرون ثم يفكرون في هذا المخلوق العجيب الذي صوروه من مداد وورق ثم أسكنوه قصراً في جنيف وألزموه حماية السلام وجعلوا في خدمته قوماً من ذوي القبعات والقفازات والعصي، وقالوا له مرة: قف أمام الدتشي فانسرقت قواه؛ ثم قالوا له مرة ثانية: اثبت في وجه هتلر فارتهكت مفاصله؛ وهم يقولون له اليوم مرة ثالثة: خذ الطريق على ستالين؛ وأغلب الظن أنه لاستمرار الخجل وإلحاح الفشل وتتابع الخذلان لن يستطيع أن يتحرك.

نعم سيفكر المنتصرون فيما جنوا من (عصبة الأمم) ويقررون - إذا وفقهم الله - أن ينشئوا السلم العالمية الدائمة على قواعد من التركيب لا من التحليل، فيؤلفون من الأمم الصغيرة المتقاربة في الوطن والجنس والمنفعة اتحادات مستقلة تتحد في الرياسة والحكومة والدستور، وتشترك في الدفاع والسياسة والعمل، ثم يربطوا بين الدول العظمى والاتحادات الكبرى بروابط وثيقة من الاقتصاد العادل الذي يضمن لكل أمة سداد عوزها من خير الله وغلة الأرض.

على أننا الآن بسبيل الحرب لا بسبيل السلم، فلنَدعْ حديث الصلح إلى يومه، ولندْعُ الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>