للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو أن بن طولون لم يستخدم في جيشه جنوداً مصرية من صميم أبناء البلاد كما فعل محمد علي، بل كان جيشه من المماليك الأتراك الديالمة. وقد أخطأ بعض المؤرخين المعاصرين ودونوا في الكتب المدرسية الحالية أن أول من استخدم المماليك الأتراك في مصر وجلبهم إليها واستعان على تثبيت سلطانه، خلفاء الفاطميين تشبهاً منهم ببني العباس. والواقع أن أول من فعل ذلك هو أحمد بن طولون، فقد ذكر القلقشندي في صبح الأعشى ما نصه عند الكلام عن ابن طولون: (وفي أيامه عظمت نيابة مصر وشمخت إلى الملك. وهو أول من جلب المماليك الأتراك إلى الديار المصرية واستخدمهم في عسكرها). وقال ابن إياس: (قال ابن وصيف شاه: فلما تم أمر الأمير أحمد بن طولون في ولايته على مصر واستقامت أحواله بها استكثر من مشتري المماليك الديالمة حتى بلغت عدتهم أربعة وعشرين ألف مملوك).

وبعد قليل فتح الفاطميون مصر سنة ٣٥٨هـ فاشتهروا باستخدام كثير من الجنود المرتزقة من أمم شتى، فتكوَّن الجيش في عهدهم من أتراك وعرب ومغاربة ومصامدة وصقالبة وروم وعبيد وغيرهم. وكان عدم التجانس بين فصائل الجيش الفاطمي سبباً قوياً لنزاع طال بين هذه الأجناس أدى إلى زوال الدولة.

وخلفها صلاح الدين الأيوبي عام ٥٦٧هـ فقضى على نظام الجيش الفاطمي المضطرب، ورغب في توحيد جنس فصائل جيشه، ولكنه بدلاً من أن يتجه إلى أبناء مصر فيتخذ منهم حاجته من قادة وجند، استعار ذلك من الجنس الكردي.

وفي أواخر الدولة الأيوبية استكثر الملك الصالح الأيوبي من شراء المماليك الأتراك ونشأهم تنشئة عسكرية وأطلق عليهم اسم (البحرية) وهم الذين انتزعوا حكم البلاد من يد الأيوبيين سنة ٦٤٨هـ وأسسوا دولة المماليك. . .

وفي عهد هذه الدولة الجديدة أصبح شراء المماليك الجدد وتزويد الجيش منهم سنة متبعة لبث زهاء ثلاثة قرون انقسمت فيها جنود المماليك إلى طوائف متنابذة كان تنابذها وبالاً على مصر، على الرغم من خدماتها الجليلة التي يعترف بها التاريخ.

وقد زالت دولتا المماليك بواسطة الاحتلال العثماني عام ٩٢٣هـ ولم يعد في مصر جيش خاص بها لا من أبنائها ولا من الطارئين عليها. وتضافرت عليها الكوارث في ذلك العهد

<<  <  ج:
ص:  >  >>