للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عيسى عليه السلام ألماً واخزاً في ضمير الإنسانية لا يفتُر، وأنيناً موجعاً في أذن الدهر لا يخفت. وتوالت القرون وتعاقبت الدول وتتابعت الحضارات، ولا يزال إبليس والسامري ويهوذا وأبو لهب مُنظَرين في الأرض، يدعون إلى الشر ويُرَغبون في الرذيلة ويعملون للفساد، والعالم المسكين يتدرع في جهادهم بالدين والمدنية والتربية والعلم، ولكن ذلك كله لا يغني عنه إلا كما يغني السد في دفع الفيضان، أو الفرجة في كف البركان، أو الكوخ في اتقاء العاصفة.

يا راعي السلام وداعي المودة، لقد ضل قطيعك كله وشرَد! فاسأل الله أن يُطْلع في سماء أوربا القاتمة (نجم المجوس) فعسى أن يهتدي به إليك طاغية موسكو وجبار برلين. والله قادر على أن يحوِّل في يديهما القنبلة والطربيد واللغم إلى (ذهب ولبان ومز).

يا حامل الآلام ورسول المرحمة، كيف استحال حلمك وسلمك وهداك في ألمانِيَة لوثر وروسِيَة تولستوي سمائم قحط وزلازل دمار وطوفان هُلك؟! ألإنك لا تزال غريباً عن الغرب فلم يصادف دينك هواه، أم لأنك شرعت الألم تكفيراً عن الكفر بالله؟

لشد ما تختلف المسيحية في الغرب عنها في الشرق! إنها مع المسيح قد خرجت من الغسق إلى النور، ولكنها مع بولس قد دخلت من الشفق إلى الظلام! ومن سار في صحوة النهار اهتدى ودل، ومن ضرب في سُدفة الليل اعتسف وأضل.

بأية حال عاد عيدك يا رسول السلام وحامل الآلام على بولندة وفنلندة؟! هل قضى الآباء والأمهات ليلة البارحة مُشْبِلين على بنيهم وبناتهم وق الفرش الوثيرة حول المدافئ الواهجة وعيونهم تشرق بالغبطة وقلوبهم تفيض من السرور، وهم يتناغون بأحاديث الحنان والحب تناغي البلابل الآمنة، في أعشاش الربيع الساكنة؟ هل باتت الصغار الأبرار هذه الليلة في مهودهم الحريرية يحلمون في أحضان الكرى بباباهم (نويل) وهو يضع لهم الألطاف واللعب والحلوى تحت أفنان الشجرة وفي نواحي المدفأة؟

يا حسرتا عليهم! لم يأتيهم عيدك يا مبرئ المرضى ومحيي الموتى إلا وهم حطام وأشلاء. فلا الدار آهلة ولا الرزق موصول ولا الشمل جامع! إن نار الأعداء تحرق البلاد فلا مأوى، وصقيع الشتاء يهرأ الأجساد ولا دفء، وخوَي الأمعاء يلحس الأكباد ولا قوت، وبقايا القنابل والرصاص والغاز من النساء والأطفال والشيوخ مشرَّدون على الجليد

<<  <  ج:
ص:  >  >>