تحتها، وساقية يجرين فيها، فلم يلبثن أن بايعنه وخضعن له، واندمجن في جيشه، وسمعت الأشجار بمسيره فقامت على طريقه صفين تحييه و (تصفق) له
حتى إذا أقترب من (الفيجة) جاءه رائده فقال له: قف، فإن ههنا ملكة جبارة عرشها صخرة هائلة، وجيوشها تملأ الوادي وتمتد إلى أبواب المدينة الأبدية الأزلية التي كانت من قبل، وستبقى بعد المدائن كلها: دمشق!
(فقهقه) بردى ضاحكا من حماقة رائده. أي مدينة وجدت من قبله؟ وأي شيء يعرف القدم والبقاء إلا الله القديم بلا ابتداء، الباقي بلا انتهاء؟ ثم زمجروا أقسم لئن وجد تلك المدينة قائمة من قبله ليدكنها دكا. وإن وجدها تنتظره ليجعلنها بإذن الله سيدة مدن الأرض وأمها ووارثتها. أما تلك الملكة فليحطمنّ عرشها، ويبددن جندها. . .
وتقابل البطلان بردى (الأسمر) القوي (سلطان الزبداني) الغازي الفاتح، والفيجة (البيضاء) الفتانة (ملكة الوادي) واصطف الجيشان هذا من هنا، وهذا من هناك لا يختلطان. ثم أقبلا فاصطرعا. فغلبت رجولة بردى وخضعت له الفيجة وسارت تحت ركابه ذليلة صاغرة، وهي أعزّ منه جنداً، وأسمى نسباً، وأكرم عنصراً
ومشى يجول في الوادي ويصول، ويملأ أرجائه بنشيده الحماسي المرعد
لم يجاوز إلا قليلاً حتى قابل أميرة صغيرة تخطر على السفح الجميل، وفي (عينيها الخضراء) صفاء وفيها وداعة ولها سحر، كأن الناظر إليها يشرب منها خمراً، تلقي أغنيتها بصوت ناعم حالم. كأنه همس القلب في أذن الطيف الحبيب. فأصغى إليها الجبل الأصمّ، ومال من الحنو عليها، وعانقتها الشمس. فلما اضطرت إلى فراقها أحمر جفناها من كثرة البكاء. فذابت من حرارة الوجد قلوب (الثلج) وسالت مدامعها على خدود الجبال فاخضرت منها السفوح، فمن ذلك سميت (الخضراء). ثم لما عادت الشمس بسم الوادي، فمن ذلك سمى وادي (بسيمة) وكان لهذه الفتاة أم وصتها حين ألقتها في لجة الحياة أن تحترس من النهر، وتحذر أن (يخطفها) ثم (يبتلعها) فإنه شاب غدار طياش. . .
لما أحس بها بردى صرخ مختالاً: كم هذا الذي جرؤ على أن يمشي معي في الوادي، وينتزع مني مجدي، وتبسم له الشمس من دوني، وتحنو عليه وتسمع نشيده الصخور الصم ولا تميل عليّ ولا تصغي لنشيدي؟. . .