وشواطئ محجوبةً شارفتَها ... فوق العواصف والخضمِّ الهادر
أيرُىَ جناحُكَ في السماء كعهده ... متوشِّحاً فَلَقَ الصباحِ السافر!
أيرُى شراعُك في المساءِ كعهده ... متقلداً حلقَ السحاب الماطر؟
هدأ الصراعُ وكفَّ عن غمراتهِ ... من عاش في الدنيا بروح مغامر
وطوى البلى إلا قصيدةَ شاعر ... أبقى من المثل الشرود السائر
شعرٌ تمثَّلَ كلَّ حسّ مرهفِ ... لا رصفَ ألفاظٍ ورصَّ خواطر
وَدُمّي مفضَّحةَ الطلاءِ كأنها ... خُشبُ المسارح مُوِّهتْ بستائر
تتمثل التاريخ في أزيائه ... بين المصفِّقِِ وابتسام الساخر
من صنع نظَّامين جهدُ خيالهم ... مسحُ الزجاج من الغبار الثائر
متخلفين عن الزمان كأنهم ... أشباحُ كهفٍ أو ظلال مساحر
يا قوم إنَّ الشعر روحانيةٌ ... وذكاءُ قلبٍ في توقّدِ خاطر
نظر الضريرُ به فأدرك فوق ما ... لمستْ يدُ الآسى وعينُ الناظر
متعرفاً صور الخلائق، سابراً ... أعماقَ أرواحٍ وغوْرَ سرائر
هذى عروس الزَّنج ليلتُه التي ... أدمتْ بكفّ حُلِّيتْ بأساور
والنجمُ أشواقٌ، فمهجة عاشق ... وذراع معتنق، ووجنة عاصر!
الشعرُ موسيقى الحياة موقَّعاً ... متدفعاً من كلِّ عرق فائر
عشاق (بابل) لو سُقوا بنشيده ... لم يذكروها بالرحيق الساكر
وتنصتتْ أقداحُهم لمغرِّد ... مَرِحٍ يصفق بالبيان الساحر
أو كان كلّمَ برجها بلسانهِ ... والقوم شَّتى ألسنٍ وحناجر
لم نِشك من عوَج اللسان ووحِّدت ... لهجات هذا العالم المتنافر!
علي محمود طه