للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولماذا يريد كثير من الكتاب أن يجعلوا عقول أممهم بدعْاً في العقل الإنساني؟ لا أدري؛ وما يكاد يدري أحد من هؤلاء ما هو العقل، وكيف يتميز في الإنسان، أو كيف يتبين في الأفكار أو المدنيات مكان العقل من مكان غيره من الغرائز والطبائع والدوافع وما إلى ذلك من الأشياء التي تشترك في نتاج الفرد ثم في إنشاء المدنيات الاجتماعية؟ ولو استطاعوا لأبانوا لنا - على كثرة ما يقولون - عن موضع واحد يقولون فيه هذا (صنع العقل) الفلانة. إن العقل المصري كغيره من العقول يقبل كل شيء، ولكن طبائع الإقليم تريد أشياء وتنفي أشياء لأنها لا تستطيع البقاء في سلطانها. إن جوهر الأشياء كلها لا يتغير في العقل بعد العقل، ولكن الأعراض هي التي يصيبها التبدُّل والتغيير لأنه من طبيعتها أول، ولأن العقل لا يعمل فيها عملاً إلا للتدبير والتصريف وحسب

وقد عَرض الأستاذ (المنجوري) في مقاله هذا إلى عهد الاحتلال وما صنعت سياسته في أخلاق مصر وتعليمها، وكيف حطم بجوره وعدوانه كل الصلات القوية التي يعتمد عليها ترابط الكيان الاجتماعي؛ فتمزقت الجهود المصرية في الإصلاح، واستبدت الشهوات الجارفة بأخلاق الطبقات كلها، ففشل الاجتماع المصري في إرادته، وقام على أساس فاسد من الأخلاق حتى صار أكثر ما نرمي إليه غرضاً فردياً لا قيمة له في البناء الاجتماعي، ومن هنا استبد المستبد وصارت السيطرة الفردية في كل أعمالنا هي المبدأ، فلم يقم بيننا التعاون على أساس صحيح، وكذلك تنازعت الشهوات أعمالنا فصار الآخر بأنانيته يريد هدم عمل الأول لينفرد بأحدوثته وصيته، كالذي رأيناه في الحكومات الكثيرة التي تعاقبت على الدولة المصرية فشرعت ووعدت وبدأت وسارت؛ ثم جاءت أختها من بعدها لتقف كل ذلك وتبدأ من جديد بلجانها وتقريراتها واقتراحاتها، تريد أن تخالف وأن تنشئ وان توجد؛ ثم هكذا دواليك حتى غدت وعود الحكومات عند المصريين خاصة والشرقيين عامة إلى مثل التي يقول فيها كثَير عزَّة:

تمتع بها ما ساعفتك، ولا تكن ... عليك شجى في الصدر حين تبينُ

وإن هي أعطتك الليان، فإنها ... لآخرَ من خُلانها ستلين

وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين

فهذه أمراض وأوبئة لا تزال تنتشر، ولا بد من مكافحتها مكافحة صارمة بغير هوادة. فهل

<<  <  ج:
ص:  >  >>