أمته غريباً كصالح في ثمود؟. . . ولكم سر الشاعر بهذه المقارنة البارعة بينه وبين عبقري آخر على شاكلته
وأفاض شاعرنا العبقري في أنه يسير على نهجه رضي الناس - أو لم يرضوا - فإنه إنما يغني خلجات وجدانه، وعرض للمادة والحياة الدنيا وزينتها، فأكد أنه ليس من ذلك كله في شيء. . . ولست أدري لم وثبت إلى رأسي حينذاك قصائده الطويلة - وكنت نسيتها - في مدح فلان وفلان ممن لا يكون مدحهم إلا وجهاً من الزلفى!؟ ولكني لفرط هيبتي من الشاعر، أو قل لفرط إيماني بعبقريته لم أستطع أن أشير إلى شيء من هذا. . وهل أرضى أن أضع نفسي عنده موضع الأغرار والحمقى؟ ولعل ما فعله كان سراً من أسرار العبقرية لا ينهض له خيالي اليوم
وأشار أحد أصحابه إشارة خفية إلى تلك الروح السامية التي ألهمته أغانيه، فبدت على وجهه مثل إمارات الخجل وضحك ضحكة غريبة، ثم رمى صاحبه بنظرة غاضبة كأنما خيل إليه أن ذلك الصديق يشك في وجود تلك الروح، أو يظن أنها بعض ما يجري فيه الكلام في مجالس بني الطين. . . وما كان شعره فيها إلا صلوات قدسية تتنزل عليه من عليين، وهي كعبقريته، أمر لا يعلق به شك إلا في رؤوس الجاحدين والهازلين.
وألح عليه صاحب آخر أن يطربنا ببعض ترانيمه، فتفرس في وجهي يتبين: أأنا ممن تبدو عليهم مخايل الفطنة، أم أنا من الذين لا يفهمون. . . ولعله كان أقرب إلى الأولى، إذ قد أخذ يسمعنا من شعره. . وأشهد لقد وقعت منه على كلام من السحر الحلال تتقطع دون بلاغته الأوهام. . . ولكم وددت لو أني استطعت أن احفظ شيئاً منه، على أني أذكر من أوصافه ما لست أشك لو ذكرتها لك أنك كنت ترى معي أنها آيات من الفن تقصر عنها بدائع ابن هانيء وروائع بشار؛ ويتخاذل دونها فن الطائي وسحر الوليد ومعجز احمد وبدع ابن الرومي وقدرة شيخ المعرة. . . دع عنك شوقي وجيل شوقي ومن خلا من قبله في مصر ومن خلف من بعده من الشعراء. . . وليس يهمه أن ينكر الأغفال في هذا الجيل أسلوبه ومعانيه، فليس عليه أن يُفهم من لا يفهمون
وإنه لينكر على شوقي ما توافى له من ذهاب الصيت، ويستكثر عليه لقبه الذي عرف به، ويعزو ذلك أيضاً إلى غفلة هذا الجيل، وتتحرك في نفسه العبقرية، فيتساءل: ماذا يجد