قال:(أما انا، فقد نالني من المرأة عنت كبير. . . كنا - أنا وهي - زوجين في رغد من العيش، ودعة من الزمان ورخاء في البال؛ وأنا موظف في الحكومة يغل عليّ عملي ما يكفي عدداً، وفي القناعة والرضا، وهي لا تبسط يدها كل البسط؛ وتصرمت الأيام، وأنا أجد فيها سلوه عن الابن، وقد ضنت به الأيام، وعزاء عن الام، وقد سلبتها مني يد القدر. . .)
ثم غدر بي الدهر غدرة واحدة، فقذف بي بين براثن المرض لا أبرأ ولا أستقل. . . وانطوت الأشهر وأنا بين الطبيب والدواء والحكومة في مرض آخر: فالطبيب شره لا يطفئ السيل غلته، والدواء لا يشفي ولا ينقطع، والحكومة من ورائهما تضع من راتبي قليلاً قليلاً. وأحسست بالهاوية التي أنحدر إليها رويداً رويداً. . . فأشفقت على زوجتي أن تجد لذع الفقر وقد أشفيت عليه، أو أن ينسرب إلى قلبها الملل وقد طالت علتي، وفي رأيي أن أسرحها لتنطلق إلى متعة قلبها ولذة نفسها، وهي شابة فيها عقل المرأة ونزعات الأنوثة. . .
ونشرت على عيني أمها حديث نفسي، فراحت العجوز إلى ابنتها توسوس. . . وجاءت الزوجة - وفي عينيها عبرات تترقرق - تزور حديثاً:(كيف أتخلى عنك الآن؟ أفأعيش إلى جانبك سنوات لا أستشعر منك إلا الشهامة والكرم، وإلا الرجولة والتضحية؛ ثم أفزع عنك وأنت بين المرض والعوز، لأكون معولاً آخر يهدم بقية فيك نترجاها؟)
واطمأنت نفسي إلى حديثها، فاستقرت
لقد كانت فكرة ابرة، غير أنها بعثرت حياتها، فانبعثت هي تكشف لي عن أدران نفسها
ألحت علي الحاجة فتحولت عن داري إلى حجرات ضيقة وضيعة، ومكرت هي بي فحملت أثاثها إلى دار أبيها إلا حاجات عبث بها البلى، وجاءت أمها تريد أن تعينني على علتي بكلام يتوثب من أضعافه الصلف والزهو، فأبت كبريائي أن تذل لها، على حين تعصرني الفاقة ويثقلني الدين، وليس لي من أفزع إليه سوى أخي، وهو بين أولاده وزوجته ورقة حاله في هموم. . .
وأحسست من الزوجة الشابة الإغضاء والإهمال، فهي تنفلت من لدني - بين الحين والحين - في تطريتها وزينتها، تزعم أنها تزور أهلها وصاحباتها، وهي تنطوي عني ساعات من