- أكان شاعراً ينظم لها القصائد، وينشدها إياها؟
- كان ينظم قصائده بلا كلام، وينشدها إياها من مزماره الرخيم!. . .
فأصابت الأمير هزة شديدة، وقال في صوت جياش:
- وهل تقابلا؟
- كلا، فهي لم تره، بل أغرمت به على البعد!. . . ولا تدري أراها، أم لا؟!
- لا ريب في أنه رآها. . .
- ليس ذلك مؤكداً، فعيون هذا الشاعر الجوال، كانت أقصر من أن تخترق خمائل البستان أو جدران القصر، لتكشف عن الفتاة وتلتقي بعيونها!
- يا للفتى البائس!. . . لو علم أنها تضمر له هذا الحب لطار إليها، وارتمى تحت قدميها يلثمها في عبادة. . .
- من يدري أيها الأمير؟. . . أنه فتى غريب الأطوار، يعيش وفق هواه. . . قد يرفض حبها لو تقدمت به إليه!!
- محال!
- ولكنه لو كان يعلم كم أحبته هذه الفتاة، وكيف أنه ترضي أن تعيش معه تقاسمه حياته الطليقة في دنياه الرحبة الوضاءة لقبل منها هذا الحب!
وتمتم الأمير بكلمات متقطعة، وقد شد بيده على حاجز الشرفة حتى كادت أصابعه تدمى، وتابعت الأميرة حديثها:
- لقد برمت الفتاة بحياة الثروة والجاه التي تحياها، وتوضحت أمامها بشاعتها، وأحست ثقلها المرهق يحبس أنفاسها. فرغبت أن تفر من بيئتها، تستبدل الكوخ الساذج الهادي بالقصر المنيف الصاخب، والرداء الخفيف المزين بالأزهار بالثوب الثمين اللامع بأوصال اللآلئ. . . لقد برمت بكل شيء يحوطها، واشتدت بها الرغبة أن تهرب، فتلحق بشاعرها تقضي حياتها في حمى مزماره!!
- ولكنها لم تفعل!
- لقد كادت. . . ولكن الفتى اختفى فجأة!
- أهرب؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute