نظامها وبرنامجها والاحتفال بها والإقبال عليها والديمقراطية فيها
لقد كان قصر المعرض بالجزيرة معرضاً حقيقياً لمجتمعنا الحديث. فالأميرات والعقيلات والآنسات والممثلات يصاحبهن أو يراقصهن أو يجاورهن الأمراء والكبراء والموظفون ورجال الفن؛ وكلهم على النمط الغربي الرفيع في أناقة الزي ورشاقة الحركة وأسلوب التحية ومراعاة الرسوم وإجادة الرقص، حتى خيل إلي أن الحفلة في (الجران باليه) بباريس لا في السراي الكبرى بالقاهرة
كنت أتنقل أنا وزوجي من مقعد إلى مقعد، ومن مشهد إلى مشهد، في مسرح اللهو، وفي حلقة الرقص، وفي المقصف، وفي (القهوة البلدية)، فأجد أخلاطاً من الناس يشتركون في المظهر، ولكنك تستطيع أن ترجعهم إلى بيئاتهم المختلفة من طريق الهندام ولهجة الكلام واختلاف الوضع. يسهل ذلك التمييز في الرجال ويصعب كل الصعوبة في النساء؛ لأن المرأة بفضل السينما والرياضة استطاعت أن تشأي الرجل في مضمار المدنية الغربية، فهي في إتقان زينتها وفستان سهرتها وانسجام سمتها لا تكاد تختلف عن كواكب هوليود؛ أما هو فبطيء التطور عصي الطبع لا يغشى أمثال هذه الحفلات إلا مسوقاً بإرادة زوجته أو ابنته
لعلك تذكر أني كتبت إليك منذ خمس سنوات كتاباً قلت فيه عن حرية المرأة إنها مسألة لا تتعلق إلا بنا، ولا يكون الحكم فيها إلا لنا؛ وما دخول الرجل فيها إلا أثر من اعتقاده القديم أن في يده زمام هذا الجنس المنكوب يرخيه ويشده على هواه، والأمر لا يخرج عن كونه نظاماً طبيعياً يجري على سنة الحياة من سيطرة القوة على الضعف، وطغيان الأثرة الباغية على العدل الذليل. فحرية المرأة كحرية الأمة، سبيلهما الفعل وحجتهما القوة؛ أما الدفاع بالقول والإقناع بالحق فأصوات مبهمة كزفيف الريح المحبوسة في مخارم الجبل لا تدل على الطريق ولا تساعد على الفرج
قلت ذلك وما كان يهجس في صدري أن المرأة في هذه المدة القصيرة تستطيع أن تنزع من الرجل قيادتها وحريتها ثم تغلبه على إرادته وكرامته فتروضه هذه الرياضة وتخضعه هذا الخضوع!
لقد كنت أرى المرأة في هذه الليلة تراقص الغريب وتضاحك الكأس، وزوجها أو أبوها