السوء بقدر الله أن يكون هو قاطعه دون المنهج الذي تعبد بين يديه، ولم يبق له إلا قليل حتى يبلغ الذروة العليا
قصيدة الزلزال
وقد قرأت قصيدته الأخيرة في (فاجعة تركيا) - كما سماها - ثم سمعتها، فوجدت لزاماً علي في هذا الباب أن أثبت بعض رأيي في الشعر والشاعر، ثم في (محمود حسن إسماعيل) خاصة، ثم في هذه القصيدة. وقبيح أن يجهل مريدو الشعر الجيد هذه القصيدة الفذة، التي تكشف عن السر المستكن وراء هذا الشاعر. وإذ قد عرضنا مرة لبعض الشعر الأسود المظلم، فلا بد إذن من أن نمحو آيته ببعض آيات الشعر المشرق المضيء
وقد كان (زلزال الأناضول) عذاباً من العذاب الأكبر بأهواله، حتى قالوا إنه أشد ما عرف من الزلازل وأخطرها وأفضعها موقعاً وأثراً، وقد كان ما تنشره الصحف اليومية من أخباره هولاً هائلاً مفزعاً يكاد يجعل الولدان شيباً. فلاشك إذن أن يكون هذا الرعب الراجف في إحساس شاعر فزعٍ (كمحمود) رجفةً يرعد بها رعدة طائرة مدوية مصلصلة مجلجلة
وأنت إذا بدأت القصيدة:
هات الشدائد للجريحةِ هاتها ... فالصبر في الأهوال دين أُساتها
واحشُد صروفك يا زمان فربما ... لهب العظائم شُب من نكباتها
ولعلها خمرٌ تدور فيستقي ... خمر الكفاح الشرق من كاساتها
رأيت الأمر والنداء، نداء الفزع الطامي بطغيان أمواجه على إحساس الشاعر، فلم يملك إلا إسلام نفسه إلى اليأس، فيستزيد من البلاء ويطلبه فيقول:(هات الشدائد) ثم يعود فيقول: (هاتها) ليثبت إيمانه بالصبر على هذا البلاء، فهو إيحاء؛ إذ قد يئس أن يصرف عن إحساسه ما طغى به عليه هول ما سمع من صفة الزلزال. ويدُّلك على أن هذا المطلع قطعة من اليأس، عودته إلى الشك في هذه الشدائد الموقدة بنارها ولهيبها، والتي زلزلت أمة من الناس فكانوا كما قال الله تعالى في صفة زلزلة الساعة:(يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد). فكذلك عاد الشاعر يشك بعد طغيان البلاء عليه - أن ينقلب كل ذلك الرعب