للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على هذا الوزن الجافي من (مجزوءة المتدارك)، وكذلك أهملناه وسنهمله

وأما حديث (الزلزلة)، فلا نزال نقول إن كل حرف من حروف العربية ينقل إلى المجاز، فهو يتطلب دائماً حقيقته، وإلا فسد مجازه. فإذا كان أصل الحرف (زلزل) وحقيقته: أن يزلَّ الشيء عن مكانه مرة بعد مرة، أي أن ينتقل ويتحرك ويسقط ويخرج عن الموضع الذي يستقر عليه، فلابد في كل مجاز لهذا الحرف أن يكون ما يقع عليه فعل الزلزلة - (أي نائب الفاعل أو المفعول) - شيئاً منتقلاً من مكان إلى مكان أو شيئاً يجوز أن ينتقل من مكان إلى مكان، فهذا هو شرط المجاز أو الاستعارة في هذا وأمثاله، وإذ ليست الأذن كذلك، فقولك (زلزل الطرب أذني) مجاز فاسد لأن الأذن ثابتة لا تتحرك

وإذا قال كتاب (خلاصة الطبيعة، في الصوت!!) في باب (شرح عمل الأذن) إن الصوت يهز غشاء طبلة الأذن حين تصكها الأمواج الهوائية التي يحدثها مصدر الصوت، فليس معنى (يهز الغشاء) هنا أنه ينقله من مكان إلى مكان آخر، فإذا كان ذلك كذلك، وكان غشاء طبلة الأذن مثبتاً لا يتحرك أي لا ينتقل من مكانه، وإنما هو اهتزاز يلحقه، فليس في الدنيا (ناي) أو غيره يستطيع أن يجعله يتحرك أي ينتقل من مكانه، ولو كان في قلب هذا (الناي) عشرون فرقة من فرق (الجازَبند). . . ولو كان ذلك فتحرك الغشاء قليلاً عن مكانه لتمزق وانخرق، وكان الصمم. وإذن فليس يجوز في العربية أن يقال (زلزل الطرب أو الناي غشاء طبلة أذني)! وإلا فهو مجازٌ فاسد أيضاً

وأما ما يقال من أن الزلزلة والطرب على مجاورة في لغتنا!! فهو شيء لا أصل له، وهي عبارة لا تؤدي إلى معنى، وهو كلام (يدخل بعد العِشاءِ في العرب)

وأخيراً. . .، فمن عظة نبينا صلى الله عليه وسلم قوله: (من طلب العلم ليماري به السفهاء، أو يباهي به العلماء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار). ونحن نعوذ بالله أن نخالف عن أمر نبينا، أو نكون ممن يستخف بما أنذر به، فنباهي الأستاذ بشر بما نعلم، وإذن فلست أجعل حديثي هذا إلا للقراء وحدهم لأضع به عن نفسي أمانة العلم. . .

حتى إذا ما الصباح لاح لهم ... بيَّن ستُّوقهم من الذهب

والناس قد أصبحوا صيارفة ... أعلم شيء بزائف النسب

<<  <  ج:
ص:  >  >>