شديدة على هذا الغر. ولكني عجبت حين وجدته يهز رأسه في أناة هزة الواثق، ويذكر أنها بداية حملات يقوم بها في رد حقوق المهضومين، وأن هذا شيء لا يستحق الذكر إلى جانب ما ستظهره الأيام من جهوده العظيمة في هذا السبيل.
وانطلقت من الأفواه ضحكات طويلة عددتها سخرية وعدها هو طرب إعجاب وتقدير، وبدأت بعد هذا أرثي للرجل وأشفق عليه مما سيحيق به من السخرية والازدراء في كل مجتمع يغشاه، حتى كانت بعض الحركات العامة فوجدت الرجل يتصدر مجالسها مسموع الكلمة عالي المنزلة!
أدركت عند ذلك أن أولى الناس في هذا البلد بالرثاء، هم ذوو الفضل والحياء.
أقيلوا عثرات الناس
نشأت نشأة محافظة جعلتني أغلو في استنكار زلات الشباب. واشتد بالنقمة على كل عاثر، ولا يتسع صدري لتلمس عذر لخاطئ. وكنت أجافي من أعرف عنهم ذلك واشتط في الحكم عليهم، فلا أرجو منهم خيرا أبداً.
وكان لي صديق ألف الله قلبينا برباط من الود الصادق أنزله من نفسي أكرم منزل، وباعد بيننا طلب الرزق حينا، فلما التقينا بعد طول غياب وجدت على وجهه غمامة من الاكتئاب دلتني على انه يعاني بين جنبيه هماً مبرحاً ثقل عليه حمله. وكان كلما هم أن يفضي إلي بوجيعته ساوره شيء من الخوف فطواه في صدره. وما زلت أترفق به، حتى قص علي قصته، وعلمت انه في إحدى ثورات العواطف جمحت به نفسه، وأفلت منه قيادها فزلت قدمه، وأتى ما يأتيه كثير من الناس. ولم يجد فيما روى به حسه من متع غناء عما فقده من رضى نفسه وطمأنينة وجدانه، فهو لهذا بائس حزين.
وسكت الصديق ونظر إلي نظرة جازعة لما يعلمه عني من القسوة في الحكم على مثل تلك العثرات. والعجيب من أمري أني وجدتني أكثر محبة لهذا الصديق بعد أن قص علي قصته، وأشد فهما لظروفه ووجدتني أرى عثرته مقالة، وزلته مخفورة ورحت أهون عليه الخطب وأتلمس السبيل لتهدئة أعصابه.
وخلوت لنفسي بعد ذلك وفكرت كيف يتغير حكمنا على الأشياء بتغير فاعليها، ليس منا من أمن العثار. وإذا وقانا الله شرها في أنفسنا فقد يعثر حميم نعزه. فلم نقبل عثرات الأولياء