فضحكت لقوله وتناقلنا الحديث وإذا هو ساكن ساح كأنما غشيته غاشية هم، فقلت: ما بك يا محمد؟ فزفر والله يا أمير المؤمنين زفرة كأنما انشقت لها كبدي، ثم قال: أرأيت هذا الجمال الذي تبعته يا أبا الخطاب، يوشك أن يكون طعاما يلحسه تراب القبر فما ترى إلا عظما أغبر من جمجمة تقذف الرعب من محجريها. . . لقد روعني والله يا أمير المؤمنين حتى تطيرت وما بي الطيرة؛ فأردت أن أصرفه عن بعض وهمه أن يكون الصيف قد أوقد عليه حره فحيره. فانطلقنا جميعا (يعني هو وهشام ومحمد) إلى سطح البيت نستظل بظُلته ونستروح النسمات وأقبلنا نضحك ونعبث ونلهو من بعض اللهو، وإذا طائر يحوم يصفق بجناحيه ثم رنّق فكسرهما من الإعياء ثم سقط ثم درج ثم اضطرب قد كاد يقتله الظمأ، فجرى إليه (محمد) ليأخذه فيبل ظمأه، فخف الطائر فهوى إليه محمد ليدركه، فما نرى والله محمدا. . . قد اختطفه أجله فجذبه فهوى به إلى إسطبل الدواب، فيقع بينها فيثيرها فتهيج، وإذا (زين المواكب) تحت سنابكها تضربه، فما أدركناه والله يا أمير المؤمنين إلا جثة قد ذهب رأسها، وما نرى إلا الدم. . . رحمة الله عليه، لقد. . .
قال أمير المؤمنين: إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، فكيف نحتال لهذا الأمر يا ابن أبي ربيعة؟ قلت: فيم الحيلة يا أمير المؤمنين وقد ذهب القدر بما يحتال له! فقال: أههنا أنت يا عمر، نمت وسار الركب، هذا أبوه أبو عبد الله شيخ كبير يوشك أن يصاب في نفسه؛ قلت: يا أمير المؤمنين، هذا مصابه في ابنه، فما مصابه في نفسه إلا أن يكون الخبر إذ يبلغه؟ وسأحتال له. قال أمير المؤمنين: مهلا يا عمر، لقد علمت أن أبا عبد الله (عروة بن الزبير بن العوام) كان قد اشتكى رجله وما زال يشتكي، فبينا نحن الساعة جلوس إذ دخل علينا (أبو الحكم) الطبيب النصراني، فاستأذنت أبا عبد الله أن يدع (أبا الحكم) حتى يرى علة رجله، فما راعنا إلا (أبو الحكم) يقول إنها الأكلة، وأنها قد ارتفعت تريد الركبة، وإنها إذا بلغت الركبة أفسدت عليه جسده كله فقتلته، فما بد من أن تقطع رجله الساعة خشية أن تدب الأكلة إلى حيث لا ينفع القطع ولا البتر
فوجمت والله لهذا البلاء، وقد اختلف به القدر على شيخ مثل أبي عبد الله في أدبار من العمر، وأخذ أمير المؤمنين بيدي وقام. فدخلنا مجلس الخلافة وإذا وجوه الناس قد جلسوا