! لقد كانت تلك الرمال الشقر ينبوعه الثَّرّ. . . ولن ينضب وعيشك ما دام في تلك الصحراء رمال. . . وفي مكة كعبة. . . وفي الدنيا إله. . . وعند الناس قرآن!
يا لروعة هذه الشعلة المتوثبة ويا لجلالها. . .! لقد هبَّت عليها الرياح الهوج. . . ولعبت بها الأيادي السود. . . وأقسموا ليطفئونها بأقوالهم ودمائهم. . . ولكن الشعلة مازالت تتوثب ضاحكة جذلى، رهيبة مخيفة، إنها تصعد قوية زاخرة، لا تعبأ بالشركِ ولا تحفل بالدسيسة. . . إنها من نور الله. . . إن فيها قوة زلزلت الأرض. . . قوة ما وقف أمامها كسرى ولا أعوانه. . . وقيصر ولا خلانه. . . لقد تداعت لرؤيتها القصور الشمُّ على شواطئ دجلة وجنبات فارس، وعربدت لها المروج الخضر في سفوح الأندلس وشطئان المغرب. . . إنها ما انطفأت أبداً. . . ولكنها ما تزال تعلو وتسمو
لقد كان هذا النور يا أغرودتي مباركاً ليناً، كان يلمس القلوب الوجيعة فيبرئها، وينفذ إلى الصدور المظلمة فيضيئها، ويدغدغ النفوس المفجوعة فيواسيها. . . فما للقلوب اليوم تصدف عنه، وما للنفوس لا تَحِنُّ إليه. . .؟
يا حسرتا عليها يا فتاة. . . إنها أشعة الجمال. . . إنها ومَضات الإيمان. . . إنها من نور الله. . .!
وما الحجاز يا أغرودتي لولا محمد وأشعة محمد! أكان الناس يذكرون تلك البطاح لولاه. . .؟ وماذا كانوا يقولون بربك. . .؟ أيقولون بلاد الرعاة أم مرابع الخيام أم وأدة البنات. . .؟ لا وفتاك يا أغرودتي. . . لولا محمد لما كان هناك حجاز، ولما رفّت إليه قلوب وعشقته نفوس، ولما كان للعرب أمر في الدنيا ولا اسم مشرق في التاريخ. . .! (ولكانت تلك البقاع سماء من غير أضواء، وأصواتاً من غير أصداء، ومساكن من غير أحياء)
فاضحكي لهذا النور، وعبّي من هذا الينبوع. فلقد تدفق من حراء، ثم سقى الصحراء، ثم أقبل يتهادى بين زهور دمشق وعطور الغوطة، ثم فاض فرقص له النخيل وصفق له النيل حتى أدرك البرانس. . . وبلغ هملايا. . .
اللهم إنه دينك الذي أحببت، أتممته ورضيته لنا، فبارك لنا فيه، واهدنا إليه. إنك أنت الهادي الحكيم. . .