يعترف بالوطنية الضيقة، بل هو يعتبر كل وطن إسلامي - بله العربي - وطناً له يعتز به ويفخر بالانتساب إليه ويعتقد أن له عليه من الحقوق مثلما لوطن المولد - ما جرحت قلبه يمثل ذلك الرد
ومع ذلك فالذنب ليس ذنبك ولا هو ذنبي، إنما هو ذنب (السياسة ومراعاة الظروف) وكفى بأستاذنا الزيات شاهداً على أنني ما أغفلت ذكر طرابلس الغرب من كلمتي ولا سهوت عن تعطير قلمي بها
لقد ذكرت طرابلس الغرب على انفراد وفي أسطر خاصة، لأن لها في قلبي مكاناً ممتازاً؛ ثم جاء قلم من الأقلام فحذفها جملة رعياً للظروف الحاضرة. ولم أجعلها في ضمن بلدان (الشمال الأفريقي) لأن هذه اللفظة بفضل السياسة أصبحت لا يراد بها إلا الأقطار الواقعة تحت حماية فرنسا أو استعمارها وهي: تونس، والجزائر، والمغرب. . . أفترانا يا حضرة الأستاذ مقصرين في حقوق الجارة الشقيقة وجاهلين بجهادها وبلائها ومحنتها التي ينفطر لها كل قلب عربي مسلم؟
ثم أسألك كيف جاز لك أن تسمي طرابلس الغرب (لوبيا) وهو لفظ أطلقته عليها السياسة لتمحو به المعنى العربي، والتاريخ العربي لهذه البلاد، وتنقل السامعين له فوراً إلى عهدها الأول قبل الإسلام يوم كانت أحد أجزاء الإمبراطورية الرومانية؟ وأنت طرابلسي فهل ترضى أن ننسبك إلى لوبيا؟
إن المسلم حين يسمع لفظة (الأندلس) يمر بخياله تاريخ مجيد للإسلام والعروبة، مضى وترك مآسيه منقوشة في القلوب؛ ولكنه قد لا يمر بخياله شيء من ذلك إذا سمع لفظة (أسبانيا)، مع اعترافي بأن طرابلس الغرب أمة عربية خالدة بخلود الزمن
فيأيها الأستاذ، لتكن شديد الثقة بأن العرب وحدة لا تتجزأ، وأن الدم العربي أينما حل لن تنقطع وشائجه ولن تنفصم أواصره مهما جار عليه الزمان وبدد شمله على الأوطان، والسلام عليكم ورحمة الله.