للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخولي، حين كان يحارب في صفوف (المهدي) في السودان، أخرج السيف من غمده فاذ بالسلاح قد علاه الصدأ وبعد ان يهزه في يده مراراً كأنما هو يحارب عدوا في الهواء، يصيح صيحات خافتات، منادياً الجيش ليتقدم إلى الأمام، ثم يصحو بعد برهة من خيلاته، فاذا الميدان حجرته المظلمة المقفرة ذات المصباح الزيتي الباهت النور، وإذا الجيش أوهام في أوهام وإذا جلبة المهزومين وصياح المنتصرين سكون في سكون! و (صابحة) هي تلك الريفية الساذجة التي تعلم في منزل حسن أغا حيث التقت هناك بخادمة عبد السميع فتعارفا وتحابا وأظهرا رغبتهما في الزواج، ولكن لما ذهب إلى اهلها ليخطبها لقي منهم كل صد واعراض لأنه فقير، فلما أتاها بعد شهور بالمهر سألته ففي ريبة من أين له هذا المال؟ حتى إذا ما أيقنت بانه اختلسه من أموال سيده احتقرته وأشاحت بوجهها عنه، وضحت بغرامها في سبيل الوفاء لمخدومها ولم ترض ان تتقبل مهرها نقوداً مسروقة، لأن الله لي يبارك في مثل هذا الزواج!

أليست كل هذه الشخصيات تبدو أمامنا ساذجة في تصورتها وفي نواحي تفكيرها؟ كما انها تدلنا تماماً على البيئة الفطرية التي يشهدها تيمور ويخالطها لينقل صورها الينا، فهي كما يوقول عنها العلامة الانجليزي كرنكو: كالتصوير الفني، تصور حقيقة الحياة كلما هي

وقد يرجع طابع الصدق أيضاً في أدب تيمور، إلى أنه تعود استعمال الالوان الطبيعية في لوحته. فلذا لتملح ان فنه خال من سيطرة الافكار الغريبة غير المألوفة، فهو لا ينقب مثلا عن الفساد الجنسي الذي أصبح الادب القصصي الحديث يعج به، ليقدمه إلى القارئ كما يثير ميوله فيفوز برضائه واعجابه! كلا! فان السجية الطبيعية التي اتصف بها، تكاد ترشدنا إلى أنه فنان بطبعه. لا آلة صماء. يصور أمامنا كل ما يجس به وما يراه حوله، ونحن حين نقرأ وصفه لأحدى شخصيات أقاصيصه، نراها ظاهرة في وضوح وجلاء، ونكاد نحس بان الحياة تدب في هذا الوصف دبيب الكهرباء، فهو كما يقول عنه الدكتور ويدمار، المستشرق السويسري: يتغلغل في أعماق نفس الموصوف: لكي يبرز عقيلته الحقيقة

يدين محمود تميور بالمذهب الواقعي ولكنه كثيراً ما يحيد عنه ويخرج عن قواعده المرسومة، وحجته في هذا، هي ان الفنان يجب الا يقيد نفسه بمذهب واحد لا يخرج عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>