كنت ماثلة لعيني، في اليقظة وفي المنام، في السر وفي العلن، وخلياً ومشغولاً، ومغتبطاً ومكموداً
ومثلت لعيني بعد الخيبة أجلي ما تكونين، وأنضر ما تكونين، تعلو شفتيك تلك الابتسامة الحائرة فتزيد في حيرتي وتثير من حسرتي
شربت المر ليعوضني من حلوك، وألزمت حواسي حدها لأفر من طيفك. ثم عمدت إلى مخيلتي وقد خفت على نفسي الخبال فمسحت منها صورتك إلى حين. ثم ضبطت خيالك متلبساً بالسطو على رأسي المضطرب وأعصابي المحطمة وليس بها لمثلك غناء فأقصيته، وأغمضت عيني دونه، وذهبت ألتمس السلوان
وكيف تسلو يا صديقي، بل كيف تجبن عن احتمال الذكرى وتتهيب وجه الحبيب؟ أتراك خشيت الألم ولوعة الهوى، وما الهوى من دون لوعة وألم؟ أتريد المتعة الرخيصة؟ إنك إذن لأناني أو عابث؛ وإني لأعيذك يا صديقي أن تكون هذا أو ذاك
فليغش نومك طيف الحبيب، وذهنك رسمه؛ وليكن تفكيرك فيه وعيشك به وله؛ وليكن بعد ذاك ما يكون. فالنار التي تتأجج في قلبك، والجرح الذي يحسه صدرك، يطهران نفسك التي بين جنبيك. وما هو إيثار الروح على الجسد إن لم يكن في تعففك وعفافها، واطراح الإغراء من جانبك وجانبها
ليكن جمال نفسها هو الذي يستهويك لا فتنة الجسد. وليكن صوتك في سمعها كصوتها في سمعك رحمة وخيراً لا شراً وإغراءً
ستألم حين لا تطفئ المتعة نار قلبك المتأججة، فما نفعك بمتعة تطفئ الإيمان وتميت القلب؟ إنما نفعك بالألم الذي يرهف حسك، ويضيء نفسك، ويخضع جسدك. إنما نفعك في البقاء لا الفناء، في بقاء نارك متأججة، ونفسك نيرة، بقاء للحب الذي لا تعرفه المادة ولا ينبغي أن تعرفه، بقاء لروحانية البشر التي تتمثل في الألم، الألم يا صديقي ولوعة الحب والكآبة التي تذيب جسدك كالشمعة لتحترق وتضيء
كل أولئك يا صديقي عناصر تجعل منك الإنسان المنشود لا الإنسان الموجود.