للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وملأها بالمحبة. . .! وينتقل بهم الحديث من تبادل الثناء ثم من اللمز إلى المباهاة والمفاخرة. فهذا تنهال عليه رسائل الإعجاب حتى ليترك بعضها دون قراءة لكثرتها؛ وذلك بتهافت على قصائده كبار الملحنين ولكنه يضن بها ضناً بالشعر عن التكسب والتبذل؛ وثالث يقول في خجل مصطنع إنه يشار إليه في كل ناد ويتهامس الفتيان والفتيات باسمه، ويرد عليهم من يذكر كيف يحرص على مودته أصحاب الصحف اليومية والأسبوعية على اختلاف نزعاتها؛ ويسكت أحدهم تاركاً لصاحبه المفتون به أن يتلو عليهم من حالاته ما يعجبون معها لشذوذه المحير، ذلك الشذوذ الذي يصل به إلى الجنون، ولكنه بأي حال لا يفسر إلا بأنه شذوذ العبقرية وجنون الملهمين، وإن كانوا ليعلمون أنه متكلف يبلغ غاية السخف في تكلفه. . .

واجتمع هؤلاء الشباب على رأي واحد، وذلك هو رأيهم فيمن سموهم شيوخ الأدب فأولئك عندهم قوم نالوا من الشهرة ما لا يستحقون، وليس فيهم إلا من يحقد على الشباب وعبقرية الشباب وطموح الشباب، ولذلك فهم يحاربونهم ويضعون في طريقهم العقبات، ولكن الغلبة في النهاية لا شك للجيل الناهض. . .

ويحمل هؤلاء الملهمون حملة صارمة على هذا البلد الجاحد ويألمون لحظهم فيه، ويتساءلون: لم أطبقت الغفلة على هذا الجيل إلى مثل هذا الحد؟ فإذا مال الحديث إلى من أصول الأدب رأيت بين هؤلاء الذين يرمون الجيل بالغفلة تناقضاً وتبايناً واختلافاً شديداً حتى ليصعب على من يقرأ مثل آرائهم أن يصدق أنهم يعيشون في عصر واحد وفي بلد واحد، وكيف يلتقي هؤلاء على ذوق أدبي والمسألة بينهم رياء وتقارض ثناء؟

وبعد أفلا يسهل على بعد أن بلوت مبلغ صدق هؤلاء بعضهم تلقاء بعض أن أصدق ما يقال عن مبلغ صدق أكثرهم في فنهم؟ ذلك الصدق الذي ترى من آياته أن ينظم أحدهم فيما رأى من جمال الربيع وهو لم يخرج من مكتبه، أو يصف الشروق والغروب والليل في القرية وهو لم ير مدى عمره قربة، أو يتوجد ويتوجع ويشتكي إلى ملهمته وهي لا توجد إلا في مخيلته! لقد أسرفنا في الهزل فمتى نجد، وبالغنا في الاستهتار فمتى نستحي؟

(عين)

<<  <  ج:
ص:  >  >>