ويجب أن نضرب المثل هنا (برسالة الشافعي) التي طبعها العالم الجليل الشيخ أحمد محمد شاكر، فهو طبعها عن أصول مخطوطة ومطبوعة، وأقدمها نسخة منها بخط الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي وراوي كتبه؛ فالأستاذ الشيخ شاكر حجة في علم الحديث النبوي، وفقيه متيقن للسنة التي هي أصل من أصول الدين، فلما تناول (الرسالة) يعدها للطبع لم يترك شاردة ولا هائمةً من اللفظ إلا ردها إلى مكانها من عربية الشافعي وأصوله التي في كتبه، وأثبت الاختلاف ورجح بعضه على بعض، وعمل في ذلك عمل العقل المفكر بعد أن ضبط كل اختلاف رآه إلى غير ذلك من أبواب التحرير والضبط. فإذا أنت قرأت الأصل دون التعليق رأيته قد سلم من كل عيب، وصار بياناً كله، بعد أن كان في الطبعة الأولى من (الرسالة) شيئاً مختلفاً يتوقف عليه البصير، فما ظنك بسائر الناس ممن يقرأ وليس له في هذا العلم قديم معرفة أو مشاركة؟ وأنت إذا قارنت هذه الرسالة بأي كتاب من الكتب التي أتقنها أصحابها من ثقات المستشرقين، وجدت الفرق الواضح، وعرفت فضل العربي على الأعجمي في نشر الكتب العربية، إذا هو حمل أصولها على أصول الفقه والدراية والتثبت، ولم تخدعه فتنة برأي لعله غيره أقوم منه وأجود
وأنا أذكر بهذه المناسبة أن الأستاذ قد أرسل إلي في (إبريل سنة ١٩٣٢) يسألني عن كلمة وردت في حديث من مسند أحمد ابن حنبل، ولم أكن قرأتها قبل ذلك، فكتبت إلى الرافعي رحمه الله أسأله عنها وعرضت له ما رأيت من رأي، فخالفني الرافعي، ثم لم تمض أيام حتى وجدت في الطبري ما يوافق بعض رأيي أو يدل عليه، وأبى الرافعي أيضاً. ثم لم ألبث أن وجدت نصاً بعينه على الذي رأيته، وهذه الكلمة هي في الحديث. . . (رجل قد جرد نفسه، قد (أطنها) على أنه مقتول)، فرأيت أن قراءتها:(أطنها) والهمزة فيها منقلبة عن الواو فهي (وطنها) وكذلك وردت في الطبري، ولكن أصحاب كتب اللغة لم يثبتوا ذلك في كتبهم كما أثبتوا (وكد وأكد، ووثل وأثل) إلى غير ذلك. فأنت ترى أن الطبع والسليقة ربما هدت إلى ما لا يقع إلا بعض طول التنقيب والبحث والتجميع