القدم، بل إن الأشعة الضوئية عند مقابلتها جسماً محدداً بحافة مستقيمة تميل بحالة تدل على حيدها عن مسارها، وتتضح نتيجة ذلك من ظاهرة تشبه ظاهرة التداخل التي تكلمنا عنها
وأمام ظواهر طبيعية لم يكن يعلمها الأقدمون شيد (ويجانز) الهولندي هيكلا رياضياً رائعاَ، وقام (فرنل) بتجارب بالغة حد الإتقان وحسابات لا يتطرق إليها الشك، وهجرا، عن عقيدة، النظرية الشيئية للضوء، وأسسا افتراضاً لفهم الظواهر الضوئية موجزه في أن الضوء حادثة أو أمواج وقعت في مادة تملأ الكون بأسره، وهي مادة الأثير التي طالما سمع القارئ عنها في الكتب العلمية البحتة وفي البحوث الفلسفية، والذين يراجعون اليوم منا تلك الحسابات الباهرة لويجانز وفرنل ويعيدون بعضاً من هذه التجارب الرائعة يتجولون في الواقع في هيكل من أجمل الهياكل التي شيدها الإنسان المفكر ويشاهدون ناحية من أبدع مناحي العلم التجريبي، وهكذا كانت ثقة فرنل بالوسط الأثيري الذي افترضه افتراضاً ثقة علمية ذهبت به إلى حد معاملة (الأثير) معاملة الأوساط المادية، وذلك بالقيام بحسابات رياضية حاول أن يعلم منها الدرجة التي يتحرك بها هذا الأثير عندما تتحرك المادة فيه، وقد دلت تجربة فيزو الذي قام بقياس سرعة الضوء في أنبوبة تحمل ماء متحركا على أن سرعة الضوء في اتجاه حركة الماء تختلف عن سرعته في الاتجاه المضاد، وبذلك بيَّن بطريقة تجريبية حركة للأثير توهمها فرنل الذي نظر إليه كمادة موجودة في الوجود تسري عليها قوانينا الطبيعية ونعاملها معاملة ميكانيكية، ولم يصبح الأثير بذلك فرضاً رياضياً فحسب، بل مادة كائنة في الوجود نطبق عليها قوانين:(جاليليه) و (نيوتن) الميكانيكية، وكانت ظواهر التداخل والاستقطاب والحيود السبب في انتصار هذا النوع من التفكير، وفي تأييد نظرية أثيرية موجية يصح أن نسميها هنا لأول مرة:(النظرية الفريجانزية) نسبة لاسمي فرنل وويجانز.
ولكن رغم هذه الانتصارات المتتابعة ظل الأثير وسطاً عجيباً، إذ يجب أن يكون له خواص الأجسام الصلبة بحكم أن الضوء أمواج مستعرضة، وليس أمواج طويلة، وكانت الفكرة في مولد الأثير عن فرض نظري لتفسير وقائع معينة سبباً جعل العلماء ينظرون إليه بشيء من عدم اليقين، ولم يكن هناك لإثبات وجوده وحركته غير تجربة واحدة لفيزو، لا تكفي باعتبارها تجربة واحدة وصادرة من مصدر واحد أن تقوم دليلاً قاطعاً على وجوده