وطال انتظاري حتى أوشك أن ينفد صبري، والمرء على أي حال لا يطبق مهما بلغ من حلمه ألا يأبه به الناس في غير داع إلى ذلك. . . على أني عدت فتلطفت وإن كرهت من نفسي هذا التلطف الذي أخذ يسمج كسماجة ذلك الذي لا يريد أن يلتفت إليَّ؛ وناديته باسمه في صوت مسموع ونفسي تحدثني أنه قد يكون بانكبابه هذا على العمل من ذوي النشاط فعسى أن أفيد من نشاطه
وأخيراً بدا له أن يستجيب إليَّ؛ فقال في كثير من التؤدة وعدم المبالاة (نعم يا أفندي) فأخذت أشرح له أمري، ولكنه ظهر كمن لا يعي مما أقول حرفاً وبدا في وجهه التململ والامتعاض ثم مد يده إلى أوراق كنت أعددتها في يدي، فنظر فيها نظرة ثم قال:(لا، دا هناك في المستخدمين عند عزت أفندي). . . . وعاد بعدها قبل أن أدير ظهري إلى ما كان فيه من جسيمات المشاكل
وانطلقت أبحث في (المستخدمين) عن عزت أفندي هذا لأخبره بما قال حسني أفندي الذي في (للشطب) فكان حالي معه كما كان مع سلفه: تشاغل عني وصلف في الرد عليّ، وما كان جوابه سوى أن قال هو أيضاً:(يا فندم موضوعك ده في الحسابات عند مراد أفندي)؛ خرجت من لدنه أسأل نفسي أأخرج إلى غير عودة ن الديوان، فقد آلمني ما ألاقيه وليس في مسلكي ولا في مظهري ما يستأهل هذه المعاملة، أم اعتصم بالصبر فأحظى بالمثول بين يدي مراد أفندي أيضاً؟ وملت بعد تردد إلى الرأي الثاني؛ ولكن مراد أفندي أكد لي أن مسألتي عند حسني أفندي في الشطب وإلا فهو لا يعرف في الديوان شيئاً
ولعله كان بين مراد وحسني ما جعل أولهما ينهض ليذهب معي إلى الثاني، وعدت إلى حسني أفندي في الشطب وبين يدي هذه المرة صاحب ديوانه مثله، وبعد نظرات كريهة رماني بها حسني وبهد مشادة ليست بالهينة بين صاحبي الديوان تبين أن المسألة عند هذا الذي أحالني من أول الأمر على غيره!. . . ولكنه لم ينظر فيها بل استمهلني إلى غد، ولم يسعني، وقد رأيت ما رأيت إلا أن أخرج وأمري لله!