اعتادت الكثرة من الناس أن تنظر إلى ما جاء به الشيوخ في اللغة أو الأدب، المتقدمون أو المحدثون، نظرة يقطر منها التقديس والتقدير. فدفعهم ذك إلى الاعتقاد بأن ما جاؤا به لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا من فوقه أو تحته، وفي هذا من الاعتراف بالعجز، وضعف الحكم، وهزال العقل الشيء الكثير
على أن صديقنا الأستاذ صلا الدين معدي الزعبلاوي، لم ينظر تلك النظرة الخاطئة، بل نبذ ذلك الرأي وراء ظهره، وحمل بيده معولاً وراح يستقرئ ما كتبه أئمة اللغة، أو ما وهمه بعض من أدعى العلم باللغة والاختصاص بها، فهدم الفاسد وأظهر ضعفه وسخفه، وجلىّ عن الصحيح وأبان عن جماله ونفاسته، فجاء كتابه (أخطاؤنا في الصحف والدواوين) مرآة تعكس علم صديقنا الأستاذ وتظهر مبلغ تحقيقه وتدقيقه
ولقد أخذ على شيوخ اللغة المتقدمين مآخذ شتى ثم أنفصل إلى الشيوخ المحدثين، فأخذ على اليازجي مجازفته في القول في اغلب الأحايين، دون أن يتدبر الأمور أو يتروى في إطلاق الأحكام، وأخذ على (المنذر) خلو كتابه من التقصي والتدقيق وبين أخطاء الأستاذ داغر، وبعض ما وهمه الأستاذ العوامري
وقد جعل الأستاذ كتابه بابين: الباب الأول وقد أفرده الموضوعات. أما الثاني فقد خصه بالمفردات. أما الموضوعات التي ذكرها فهي: فساد السنن التي تتبع في كتابه القرار أو المرسوم في دواوين الحكومة، خصائص بعض حروف الاستفهام ودفع الأخطاء والأوهام التي يقع فيها كثير من الأدباء والمتأدبين، قياس النسبة، العدد في تمييزه وتعريفه، قياسه الصفات المشتبهة، المصادر اليائية، تصحيح بعض من جموع التكسير، صوغ أسم المكان من معتل العين الثلاثي ومكسورها السالم، تأنيث أي، ضوضاء، وغيرهما، ثم تطرق إلى البيان عن هزال بعض الأساليب الشائعة، وهو في ذلك كله لا يدع مسألة حتى يستقصيها، ولا يصدر حكماً حتى يحقق فيبالغ في التحقيق، ويدقق فيغالي في التدقيق، هذا مع استقراء صائب وحكم صحيح