للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الملأ الأعلى لتتحد بالنفس الكلية.

هذا هو معنى المعاد في نظر إخوان الصفا: وهو الاتحاد بالنفس الكلية ثم بالله في اليوم الأخير، ومن هنا أصبح مثل الحياة الأعلى للإخوان (التشبه بالإله بحسب طاقة الإنسانية) على أن نظر إخوان الصفا إلى الحياة هذا النظر - نظر من لا يرى فيها إلا أنها سبيل أو جسر يمر عليه الناس إلى الحياة الأخرى - لم يحملهم على احتقارها أو التقليل من شانها والزراية عليها (لان الحياة الدنيوية سبب للموت. والإنسان ما لم يدخل في هذا العالم لا يمكنه أن يموت، فإذا وجد الإنسان تكون حياته سبباً لموته، وموته سبباً لحياته الباقية أبد الآبدين) بل هم يرون أنه كلما مد في أجل المرء ازداد حكمة ومعرفة، وبالتالي دنوا من الله. ومن هنا لم يتشدد إخوان الصفا ولم يغالوا في الأنحاء على الجسم الإنساني والانتقاص من أسباب متعته مغايرين في هذا لفيفا كبيراً من المذاهب الشرقية التي جعلت دأبها حرمان الجسم الإنساني من كل لذة جمسانية أو متعتة حسية.

والصورة التي خلفها لنا إخوان الصفا عن جهنم هي صورة هينة لا تبعث الرعب في النفوس ولا ترعد لها الفرائص، فجهنم الإخوان هي هذا العذاب النفسي الذي يسلط على النفوس لدن يحال بينها وبين ما تهوى وتحب. وذلك أن أنفس الأشرار (إذا فارقت أجسادها بقيت مسلوبة آلات الحس الخمس التي كانت تتناول بها الملاذ الجسمانية وصارت بعد ذلك ممنوعة عنها بعد ما اعتادتها بطول التدريب وعند ذلك يكون مثلها مثل من سملت عيناه وصمت أذناه وسد منخراه وأخرس لسانه وشلت يداه واشتد شوقه إلى لذاته، وهكذا يكون حكم نفوس الكفار إذا فارقت أجسادها وسلبت منها آلات الحس وحيل بينها وبين شهواتها. . وتكون هائمة في الجو دون فلك القمر (المسافة بين فلك القمر ومركز الأرض هي عندهم منطقة جهنم) وتطرح بها أمواج الطبيعة في بحر الهيولى إلى كل فج عميق وهي مشتعلة فيها بنيران شهواتها، وتكون معذبة بذاتها من وزر سيآتها وسوء عاداتها.

هذا مجمل رأي الإخوان في مسائل الخلق وغاية الوجود والثواب والعقاب وهو رأي نحوا فيها منحى بعض المذاهب الفلسفية القديمة كالأفلاطونية الحديثة ومذهب وحدة الوجود وما إليها مما تأثر به فلاسفة الإسلام وظهر واضحا جليا في كثير مما كتبوا ودونوا.

شرق الأردن

<<  <  ج:
ص:  >  >>