بهرجها من وقار القرية وحيائها ليقذف به في هذر الحياة ومجونها، وجرفه التيار وهو عنيف، فما استطاع أن يخطو الخطوة الأخيرة من تعليمه الجامعي إلاّ وهو يلهث من أثر الإعياء والبهر، ثم أرخى لنفسه العنان
وتعرف إلى ابنة (فلان) بك، وهو عين من أعيان القاهرة استطاع أن يخلق من جاهه وظيفة مرموقة يقدمها مهر الزواج إلى زوج ابنته الوحيدة. . . إلى صاحبي
وشاء (البك) ألا يحرم النظر إلى وحيدته، وهي قرة عينه وفرحة قلبه، وما في القصر سواها بعد أن ماتت عنها أمها، وسوى زوجته الجديدة، وهي فتاة في فجر العمر وثورة الشباب تزوجت من (البك) وفاء دين كان على أهلها، فلمست فيه برد شبابها المضطرم، وأحست بعد ما بين شيخوخته الذاوية وبين نضارتها المتألقة، فانطوت على نفسها تبكي حظها العاثر، ثم. . . ثم أشرق صاحبي الشاب في الدار فابتسمت له حين وجدت في غدوه ورواحه حياة تتوثب
وعاش الفتى في هذه الدار يتغنى بالسعادة ويترنم بالهناءة، وهو يحدثني حديثه - بين الفينة والفينة - فأستبشر لكلماته ويطمئن قلبي
لا جرم، فالآن قد نفذ بصري من خلال المنظار إلى الحقيقة التي لا يعرفها صاحبي، الحقيقة التي إن جاشت بها نفس الزوج طّمت عليها ابتسامات الزوجة الرقيقة. . .
هذه هي الزوجة الطيعة الوفية تتراءى لي وهي تنظر إلى زوجها الريفي الساذج في احتقار وسخرية، وفي نفسها أنه صنيعة أبيها ويد من أياديه، أقامه وهو يتكفأ في مضطرب الحياة، ولمّ شعثه من شتات، وخلق منه رجلاً ذا مال وأنق وهو على خطوة من التصعلك، ثم هي لا تحس باحترامه ولا تشعر بكرامته، وكيف؟ وهو قريب عهد بآداب الجماعات والحفلات، لا يعرف الرقص، ولا يتقن (البوكر)، ولا يصبو إلى الأصفر والأحمر من شرابهم وإن حمرة الخجل لتربط على لسانه إن هو جلس إلى فتاة غريبة، وإن فورة الغيظ لتسيطر عليه إن جلست هي إلى شاب غريب، وهي فتاة من بنات الشارع ترى في طباعه تزمت الأغبياء، ورجعية الفقراء، واضطراب الجهلاء، فتعبث به، وهي في مأمن من ثورته، لأنه عبد أبيها. . .
ورحت أحدق في الزوجة لأتغلغل إلى خلجات ضميرها. . . وهي تتصاغر في عيني،