جوليت آدم يقول:(إنني لا أزال صغيراً، ولكن لي آمالاً كباراً. أريد أن أوقظ في مصر الشيخة مصر الفتاة. هم يقولون أن وطني لا وجود له؛ وأنا أقول إنه موجود بدليل ما أشعر له في نفسي من الحب الشديد الذي سيتغلب على كل حب سواه سأنفق في سبيله كل قواي، وأفديه بشبابي، وأجعل حياتي وقفاً عليه. . .)
ثم اضطرمت في ذلك الجسد الناحل روح الله ففار فورة الجبارين، وثبت ثبات الرسل، وقام في وحدة النبي وإيمان الشهيد يجاهد الإشراك بالوطن والكفران بالأمة، ويقارع بالحجج الثائرة الملزمة طغيان المحتل، وأمته يومئذ علة العلل ودولة الدول!
ومصفى لم تبعثه المطامع، لأنه أدرك وهو في طراءة الشباب زعامة الأمة وثقة العرش ورضى الخلافة وخصومة المحتل، وكان في مقدوره إذا شاء أن يستغل هذه القوى العظيمة في سبيل الثراء والحكم، ولكنه زهد في ذلك كله زهادة الحكيم، فعاش للمبدأ والفكرة، ومات للقدرة والعبرة
وهل أدل على نزاهة مصطفى ونبل نفسه من نبوه على عباس وانحرافه عنه حين رآه يستيئس ويستكين بعد الاتفاق الودي الذي أبرم بين إنجلترا وفرنسا سنة ١٩٠٤؟ لقد كان في مسايرة الخديوية ومياسرة الاحتلال ما شاء الطامع من جاه وألقاب وسطوة وثروة. ولكن مصطفى كان يريد أن يقود لا أن يسود، ويطلب أن يخدم لا أن يحكم. والزعيم الحق هو الذي يدافع عن أمته ولا يحاول أن يحكمها. لأنه متى حكمها أدركته حقارة الإنسان فاستطال وترفع وفاش وطاش حتى يصعب عليه أن يوفق بين رغائب نفسه وبين مطالب الناس!
وهكذا قضى الصدق في الجهاد والإخلاص للمبدأ على مصطفى العليل الواهن أن يحرك ساكن شعبه بوجيب قلبه، ويذكي خمود جيله بحرارة دمه، ويضيء ظلام وطنه بوميض روحه؛ ثم يموت رضوان الله عليه ميتة الأنبياء، لا (عمائر) تحجب سماء المدن، ولا (دوائر) تشغل أرض القرى
لو أن زعيمنا الخالد كان قد سعى ما سعى لينال كرسياً في (وزارة) أو مكتباً في (شركة) لما أقمنا له هذا التمثال بعد ثلث قرن؛ فإن الزعيم الذي يجعل همه السياسي أن ينتفخ لغدوده وجيبه لا يمكن أن يعيش في ذاكرة الناس هذا العمر. ولكن مصطفى عاش كأصغرنا وسعى كأقدرنا ومات كأفقرنا، فكان حقاً علينا أن نقيم تمثاله رمزاً للوطنية التي لا تتاجر،