أوربا، ألا ننسى أنه في مصر التي لم تبلغ بعد شأو أوربا في كثير من النواحي الاجتماعية والثقافية، كما لم يبلغ متزعمو الحركة الفكرية هنا مبلغ رجالات العلم والفكر هناك. وإني سأكتفي اليوم بذكر مثال واحد لعل فيه عظة وعبرة، ولعله يكون حجزة دون من يود بجدع الأنف أن يمحى الأزهر من الوجود فلا يصبح له ذكر إلا في التاريخ
عندما كنت بباريس في الصيف الماضي رأيت أن أتصل ببعض علمائها النابهين في الدراسات الإسلامية الفلسفية، فبدأت بالأستاذ ماسَّينْيون وهو من نعلم علماً ومكانة هناك ومن يفخر كبار خريجي جامعة باريس بالأخذ عنه والاتصال به. تفضل واستقبلني في مكتبه الخاص بمنزله، وأعطاني من وقته الثمين أكثر من ساعتين ضاعتا في حديث علمي رفيع ونصح وتوجيه وإرشاد بينما طلابه العديدون وعارفو فضله في الانتظار، وخرجت على أن أعود مرات أخرى. وما كان أشد عجبي في صباح اليوم التالي حين أخبر أن هذا الأستاذ الجليل جاء برد لي الزيارة! أي والله سيدي القارئ إني لا أمزح ولا أتزيد؛ فقد جاء الأستاذ ماسينيون للنزل المتواضع الذي كنت فيه، ولم يمض على زيارتي له يوم وليلة، شاكراً تفضلي - كما قال - بزيارتي له! وأهدي إلي عدداً من مجلة علمية تعني بالدراسات الشرقية والفلسفية الإسلامية تضمن الكثير من بحوثه
لم أصل بعد لما أريد، فهاك بقية الحديث: رأيت بعد هذا، أو رأى رفيق سوري كان معي، أن أسعى لزيارة الدكتور طه حسين بك رجاء أن أصيب من فضله وتوجيهه ما يساعدني في دراستي، ولم يثنني عن الرغبة في الاتصال بالأستاذ الكبير ما أعلمه من العداء بين الأزهر وبينه، وهو عداء ليس من صالح الأزهر ولا الجامعة أن يدوم
اتصلت إذا بالمنزل الفخم الذي كان مقيماً به بالتليفون فقيل لي إنه ليس موجوداً وكان ذلك قبل الظهر. عاودت الاتصال بعده فقيل إنه على المائدة. وأخيراً اتصلت مدة ثالثة ورجوت محدثي أن يبلغ حضرة الدكتور رجائي أن يتفضل باستقبالي في الوقت الذي يحدده، وتركت له رقم تليفون المنزل الذي كنت مقيماً به. وهأنذا لا لأزل أنتظر الرد من المواطن الجليل!
أرأيت إذا، قارئي العزيز أنه قبل أن تطلب من الأزهر أن يكون كأمثاله من جامعات أوربا، يجب أن نطلب من كبار رجالنا وخاصة الذين عرفوا أوربا وتخرجوا في جامعاتها،