للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غضباً على غضب وسكت برهة ثم انفجر باكياً وصاح يقول: (ولدي يين، ولدي يين! لقد كنت أرجو أن أراك رجلاً حتى تجاهد في سبيل وطنك، لكنك قد مت من أجلي وأجل فتاتي آه! آه! أين أجد بعدك لذة الحياة؟!. . .

ودخلت الفتاة الصغيرة مسرعة وهي تقول في ذعر: إن السيدة لي قد أزهقت نفسها وانتحرت في غرفة يين. . .

خَفَتَ ضوء المصباح لقلة الزيت، فقامت السيدة الكريمة فغمرته بالزيت ثم رجعت لتتم حديثها:

قبر ابني يين، والسيدة لي، كلاهما في المعبد، وقد قضيت أسبوعاً هناك مريضة. ولم أسمع خبراً عن زوجي منذ تلك الليلة فلا أدري أهو حي أم ميت! وكنت أود أن أبقى في المعبد بعد ذهاب زوجي وأخدم السيد مين وفتاته، لكنه رفض وترهب، وبقيت الفتاة وحدها تخدم والدها وترعى الغنم التي كان يرعاها أبني من قبل. . . ذلك سبب ما سألتني يا بني. . .

أليست فتاة مسكينة أيها الضيف الكريم؟ وكثيراً ما تلقاني فتقول لي: إن الغنم بعد ما فارقها راعيها امتنعت عن الأكل وقد نفق أكثرها هزالاً، وكلما مات واحد منها بكته الفتاة بكاء شديداً وأقامت له قبراً بجانب قبر ابني؛ فلذلك لا أظن ابني يين يشعر بالوحشة والانفراد، ولن يشعر بهما أبداً!

- ٥ -

أمسيت أتقلب على السرير بعد ما سمعت قصة السيدة مضيفتي فلم أنم إلا بعد ساعات. ولما أغمضت عيني رأيت كأني قد ذهبت إلى ذلك المعبد الرهيب، ورأيت ذلك القبر المكتوب على حجره (قبر الفتى يين) ورأيت حوله قبور الغنم ورأيت أيضاً تلك الفتاة التي رايتها في النهار فوق الجبال جاثية أمام القبر تدعو لصاحبه

ثم لم يلبث أن تحول منظر القبور إلى مسرح جميل في وسطه فتى وفتاة عاريان يرقصان ويغنيان وحولهما قطيع من الغنم واقف وقفة الناس يرقص معهما ويغني، وثمة كثير من الأسد والنمور وصنوف من الحيوان. . . وفجأة أبصرت إنساناً يدنو، وفي يده سيف قاطع، يهم أن يقتل به الفتى فأخذت عليه الطريق فأهوى علي ثم استيقظت، ولما هدأت نفسي وزال اضطرابي جلست في فراشي أترقب مطلع الصبح حتى أستعد للسفر؛ فما لي طاقةٌ

<<  <  ج:
ص:  >  >>