للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت حورية قد تركتهن يصطخبن كما يحلو لهن، وأعملت أسنانها في الطبق المثقل باللذيذ من الحلوى، حتى إذا أتت عليه رفعت رأسها وقالت لعنان، ولا تزال تمضغ وتتمطق:

- أوَ يكون في ليلة العرس عشاء؟ لعله عشاء كامل مسمن، لا أن ندور لنلْتقم من كل صنف لقمة، كأنما جئنا لنتسلّف أو لنتقصى أنواع الطعام!

فالتفتت لها ثريا ودارتْ عينُها لما رأت الطبق فارغاً، ثم نهضتْ فضربتها وجعلت تدسُّ لها الطبق فارغاً في فيها تريدُها أن تمضغه هو الآخر. فانفجرن جميعاً ضاحكات، ونهضتْ عنانُ فعوضتهن وأجزلت

قالت هدى لعنان وكانت أشغَفهن بسماع الحديث:

- حدثينا كيف ظفرت برجلك ولا تلْتفتي للمجنونة ولا للمنهومة. . .

فقالت عنان:

- والله إن الأمر يا هدى عجبٌ من العجب، لعله لا يصدق أو لعله هَيَّن نادر، ولكنه وقع لي على أي حال. . . كان جالساً بجواري في مركبة عامة لا أعرفه ولا يعرفني، فَلَفَتَ فيَّ فقبَّلني في زحمة الناس وعلى عيونهم! ثم تبعني لما نزلت. . ثم جاء فخطبني!

فشُدْهن كلهن، وشاع فيهن حنين خفيف، وثارت فيهن أنوثتهن المحرومة والمنتظرة. . . فأصْغَين إليها وأقبلن عليها وهي تفصَّل ما أجملت:

- كنت أترقب السيارة الصاعدة إلى (مصر الجديدة) وكانت الزَّحمة بالغة، وتدافع الناس على باب الدرجة الأولى. فهداني ربي أن أدلف إليها عن طريق الدرجة الثانية، ولكني - وقد استويت راكبة - عجزت أن أبلغها، فوقفت أهتز وأتدافع وسط الرجال. فتضاغط الجالسون إلى يساري ووسعِوني، فجلستُ خامسة في مقعد يسع أربعة وكان هو إلى يساري يتأملني ويختلسني بأطراف عينيه. أفجأه فيغض، ثم يعود فأعود. . . ولما شعرتُ بدقَّ قلبه. إذ كان جسمه لصق جسمي تركته فلم ألفِتْ فيه. . . ثم بدا له أن يرسل عينيه في الطريق من ناحيتي في نفس اللحظة التي بدا لي فيها أن أرسل عيني أنا الأخرى من ناحيته. فَرَفَّ شفتي بشفتيه! وتلاقت عينانا في نظرة داهشة ثم عاتبة وغاضبة. وكانت قبلة ضاعت حلاوتها في حَرةَّ الخجل التي تنفَّثَتْ فيَّ فأطرقت مضطربة محمومة

<<  <  ج:
ص:  >  >>