ما كان لنا (علم الله) أن نستخذى أمام الحق ونتوارى عن الواقع المحس ما دمنا في البلية سواء
هذا لعمري موطن ضعف صحبنا منذ عهد بعيد. نحس بالألم ونتضور له ونحن مع ذلك نؤثر أن نستسلم للداء على أن نجأر بالشكاية منه والتخلص من شره. يا للعجب! متى نشجع فنثور على هذا الداء، ونطهر نفوسنا من أوضاره، ونكاشف العقول بويلاته فتتمكن يد الإصلاح من تعرف مواطن العلة فتضع الهناء مواضع النقب؟
قد يبدو لأحدنا أن في استقصاء بعض الداء وعرضه داعية للشماتة، ومثاراً للمتحفزين للوثبة، والقاعدين بكل مرصد؛ فنقول له: على هينتك. مرحباً بهذا الإشمات وأهلاً بهذه الإثارة؛ فكلاهما عامل من عوامل الإصلاح، وحافز من حوافز الأخذ بأسباب التقصي من العيب، والتبري النقص. وهاهي ذي معاهد العلم في مختلف الممالك لن تجد من بينها ما لا يشكو من عيب في بعض نواحيه مهما سمت مناهج التعليم فيه.
فليس من العيب إذاً أن نكشف عن أدوائنا بغية العمل على استئصالها أو تخفيف ويلاتها. إنما العيب والعار، بل ومن الخطر أن نرحب بالداء ونتحضن به ونطوي عليه كشحاً وهو لا يألونا عنتاً، ولا ينى أن يسومنا إرهاقاً، وقد قالوا:(من كتم الطبيب داءه هلك)
وبعد، فخير لنا أن نكون صرحاء فيما نقول، أحراراً فيما نرى، بواسل في مواجهة الحقائق فلا نستخذى ولا نستبطن ولا نرائي ولا نصانع فتلك صفات لا يعترف بها دين. ولا يقرها عرف، ولا يتسم بها فاضل.
وإذا أعوزنا المثل الأعلى للرأي الحر والموقف الصريح الحازم فلنلتمسه في (ساعة الأستاذ الزيات مع الأستاذ الأكبر) ففيها المثل الكامل والقدرة الصالحة
هذا ونحمد الله سبحانه أن وجد في صفوفنا من برز إلى الميدان، ورفع الصوت عالياً في حزم واتزان. وهذا ما ينبغي أن يكون عليه حالنا؛ فالصراحة سيف لا يرتفع الحق إلا على شباته، ومرآة لا تتكشف الحقيقة إلا على شعاعها.