للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استقصاء المعاني في الموضوعات التي يطرقها

ولقد كان وفاء زكي مبارك أبرز صفاته الشخصية، فهو يذهبُ إلى العراق ليرفدَ أهلها من معينه السائغ؛ فلو أنك أيها القارئ قد اطَّلعت على ذلك السَّفر النفيس (عبقرية الشريف الرضيّ) لَجازَ لك أن تقول ما قاله أحد أدباء بغداد حينما قرأ ذلك الكتاب: (إن نثر زكي مبارك له روعة تفوق شعر الشريف الرضي في بعض الأحيان)

لا يمكنني أن اصف ذلك السَّفر الذي أقامه الدكتور زكي مبارك نصباً خالداً للشريف الرضي بقدر ما كتب هو عنه في مقدمته إذ يقول: (إن القلم جرى فيه بأسلوب ما أحسبني سُبقت إليه في شرح أغراض الشعراء، حتى كدت أتوهم أني طفتُ بأودية لم تعرفها الملائكة، ولا الشياطين)

ومن اعتداده بمؤلفه وتعريضه بغيره من المؤلفات ما يقوله أيضاً في سياق حديثه عن الشريف: (سيرى قراء هذا الكتاب أني جعلت الشريف أفحل شاعر عرفته اللغة العربية، وقد سمع بذلك ناس فذهبوا يقولون في جرائد بغداد: أيكون الشريف أشعر من المتنبي، وأستطيع أن أجيب بأن الشريف في كتابي أشعر من المتنبي في أي كتاب. ولن يكون المتنبي أشعر من الشريف إلا يوم أؤلف عنه كتاباً مثل هذا الكتاب!)

وله العذر فيما يقول فكتابه عن الشريف وعبقرية، ضرب من السحر لم يشرع في الكتابة من قبل ولم يأت على طريقة الأدباء بعد، فهو توجيه جديد في الدراسات الأدبية حيث يقف المؤلف من الشاعر موقف الصديق من الصديق، ويحصى عليه ويحصى له ويتحدث إلينا بإخلاص وأمانة، ويسجل رأيه الخاص في كل ما يعرض له، فالكتاب حافل بآراء جديدة وفلسفة فريدة

ولقد امتزج روح المؤلف بروح الشريف، وتأثر به أعمق التأثر وانتقل معه إلى عصره الذي كان يعيش فيه، وأحبه حباً عنيفاً، حتى أصبح يزكي خلاله مسرفاً في التمدح بأفضاله، فإذا مر بهفوة له فإنه يرفق به ويشفق عليه شأن ما يحدث عادة بين الخلصان من الأصحاب والأصدقاء

ولقد أربي البحث في هذا الكتاب - وهو يقع في جزأين كبيرين - على عشرين باباً، احتفل فيها المؤلف بكل باكورة من بواكير الشريف العبقري، وعالج موضوعات دقيقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>