لقد كان من عادة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يبعث مندوباً إلى عماله الذين تمولوا على حساب العمل فيقاسمهم أموالهم مناصفة ليأخذ نصفها فيضعه في بيت مال المسلمين فاتفق له مرة أن أرسل مندوباً إلى كبير من ولاته لهذا الغرض، وكان هذا الوالي داهية، فحاول أن يخدع مندوب الخليفة كي يتغاضى عن بعض المال، فأمر بإعداد مائدة من أشهى الأطعمة وأفخر الألوان؛ فلما مدت المائدة ورأى مندوب الخليفة ألوان الطعام أدرك على الفور أنها خدعة، فثارت ثائرته، وقال للوالي في صراحة الحق وشجاعة الإيمان: أكل ضيف تقدم له مثل هذا؟ والله لا آكل من طعامك شيئاً. هات ما لك أقاسمك إياه!. . . فلم ير الوالي بداً من الخضوع للأمر. ونعود فنقول ما قال الأول:
فأين الثريا وأين الثرى ... وأين الحسام من المنجل؟
نعم شتان بين من هذبهم الإسلام فزكى نفوسهم وطهر جوارحهم، وأشربت قلوبهم محبته، فلا سلطان إلا سلطان الله، ولا فكر إلا في دين الله، ولا عمل إلا بوحي الله الذي أرسل به رسوله. . وبين من تملكت المادة نفوسهم، وطرفت الدنيا عيونهم، ولعبت الشهوات بقلوبهم وعقولهم
ماذا ينتظر الرئيس من مرؤوسة؟ أينتظر منه أداء مهمته على الوجه الأكمل ليرضى ربه وضميره والناس ويأكل رزق الله الذي أفاض عليه حلالاً طيباً، أم ينتظر منه أن يحسن الملق والدهان والسير في الركاب. . . وإن ترك أعمال وظيفته جانباً وأكل مال الدولة سحتاً حراماً