المذاهب الأربعة، بينهم اثنان من جماعة كبار العلماء: هما فضيلة الأستاذ الكبير، وكيل الجامع الأزهر، وفضيلة الأستاذ المحقق شيخ السادة المالكية، وبينهم أيضاً مفتشان رسميان يقومان بمهمة التوجيه العلمي والإشراف الفني، في جميع المعاهد الدينية التابعة للأزهر، وقد أصدرت اللجنة فتواها (بالإجماع) الصحيح، الذي هو نتيجة اجتماع في مكان واحد، وتشاور ونقاش ومراجعة وإقناع واقتناع شأن المؤتمرات العلمية التي يطمأن إلى إجماعها، ويؤخذ به!
ونحن نضع هذه الفتوى بين يدي القراء، قبل أن نعقب بما نريد. قالت اللجنة - بعد أن ساقت نص الاستفتاء، وهو لا يخرج عما أثبتناه في مقالنا الأول - ما يأتي:
(هذه الفائدة - وإن احتوت على صلاة، وقراءة قرآن، ودعاء - قد حدد لها ولأجزائها التي تركبت منها زمان ومكان، والتزمت فيها كيفية معينة: يتجه صاحب الحاجة إلى ضريح معين، ويقرأ فيه سورة يس بالنية التي يريدها، ثم يمشي في طريق ضريح آخر، حتى يصل إلى مكان مخصوص بين الضريحين، فيصلي فيه ركعتين وهو حاسر الرأس، ثم يمسك عمامته بإحدى يديه، وحذاءه تحت إبطه، ويتمم شوطه إلى الضريح المقصود، وهو على هذه الحالة، ثم يدعو هناك بدعاء خاص، يتوسل فيه بالأنبياء، وبسيدنا آدم وحواء وصاحب الضريح الثاني، وقد اقترنت هذه العملية في نفوس الناس باعتقاد أنها إذا أديت على هذا الوجه كانت مرجوة النفع، وإذا لم تؤد على هذا الوجه لم يكن لها الأثر المطلوب
وهذه العملية بما قارنها من هذه العقيدة، وبما فيها من الترتيب والالتزامات المذكورة، لم يرد بها كتاب ولا سنة ولا يشهد بها أصل صحيح، وذلك فضلاً عما يصحبها من مظهر لا يتفق وجلال الدين، وروعة العبادة، فهي بدعة منكرة. وإن الابتداع في الدين كما يكون بأحداث عبادة لا أصل لها، يكون بتحديد زمان أو مكان أو كيفية للعبادة التي شرع أصلها، فما جعل الشارع له كيفية خاصة، أو حدد له زماناً أو مكاناً كصلاة الجمعة والاستسقاء والحج وجب اتباعه فيما حدده، وما لم يحدد له شيئاً من ذلك، كالنوافل المطلقة كان التحديد فيها ابتداعاً وإحداثاً في الدين، لا يصح عمله ولا ينبغي اعتقاده. أما قراءة القرآن، وصلاة النافلة والتضرع إلى الله في المهمات والكرب من غير التزام شيء مما ذكر، ومع مراعاة الآداب الشرعية، فهي أمور ندب إليها الشرع الشريف، وصحت فيها الأحاديث