بصورة أخرى، فتدخل الحرب بعد تردد أستمر تسعة أشهر، وتدخلها في ظروف غريبة لا لتحقق للعالم سلاماً، ولا لتضمن للناس طمأنينة، بل لتزيد في دمار العالم مستغلة الظروف الحرجة لتحاول القضاء على دولة طالما مدت لها يد المعونة، وكانت سبباً في جمع شملها وتحقيق وحدتها واستقلالها
وقد قلنا في مقالنا السابق إن إيطاليا لن تدخل الحرب إلا مكرهة، لضعفها العسكري والاقتصادي. وهانحن نستعرض أمام القارئ مقارنة بين قواتها وقوات الحلفاء في البحر الأبيض الذي يحتم أن يكون عماد القتال فيه على القوات البحرية والجوية أما القوات البرية فليس لها مجال للعمل إلا من جهة فرنسا وليبيا وفي كلا الميدانين ما يقطع بأن قوة إيطاليا البرية ستصادف عقبات كبيرة تحول دون تحقيق أغراضها
عالم عربي
فجبال الألب في فرنسا سد منيع يصعب اختراقه ويسهل الدفاع عنه. وتقع ليبيا بين مصر من الشرق وتونس من الغرب، وليس فيها قوات إيطالية كبيرة، ولذا يسهل الاستيلاء عليها إذا هوجمت من الناحيتين، ولا سيما أن عربها يحفظون لإيطاليا ذكريات أليمة عندما أعملت فيهم قنابل مدافعها ورصاص بنادقها ولها في ذلك قصص منكرة من أعمال الوحشية والهمجية، وما زالت عدة قبائل عند الحدود ساعة الانتقام. وهناك فضلاً عن ذلك صلة الرحم بين سكان ليبيا ومصر وصلة الدين وصلة اللغة، وهي صلات يحرص العربي عليها مهما كلفته من تضحيات. فما إن تبدأ المناوشات حتى تصحو هذه العوامل، فيشعر المسلم بعوامل الدين تناديه، ويحس ابن العم بصلات الدم تمنعه من إهدار دم ابن عمه، فلا تلبث ليبيا أن تخرج من الإمبراطورية الإيطالية لتنضم إلى العالم الإسلامي
هذا في ميدان البحر الأبيض، أما في ميدان شرق أفريقيا فلإيطاليا هناك ثلاث مستعمرات هي الأريتريا والحبشة والصومال الإيطالي، وتحيط بها الممتلكات البريطانية من جميع الجهات، تلك الممتلكات التي استقر فيها نظام الحكم ودانت بالولاء للإمبراطورية البريطانية، بعكس الحالة في الحبشة مثلاً، فهي قريبة العهد بالغزو، ومازال أهلها يقاتلون الإيطاليين في أكثر من بقعة واحدة، ويشنون الغارات على حامياتها كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً. وهاهو إمبراطور الحبشة يظهر في الميدان ليستغل الفرصة السانحة، وسيمده