التقيا في صباح الأحد عند المحطة ففاجأته بقولها:(أريد أن أكلمك قبل أن نذهب، لقد بقي عشرون دقيقة على سفر القطار وهي كافية لما أريد أن أقوله)
وكانت ترتعش وهي تقول ذلك، وتعلقت بذراعه وقد أصفر لونها ونظرت إلى الأرض واستمرت تقول:(أريد ألا تنخدع بي، ولن أذهب معك حتى تعدني وتقسم بأن تكون شريفاً معي)
ثم اصطبغ وجهها احمراراً ولم تزد، ولم يعرف بماذا يجيب لأنه كان مضطرباً رغم شعوره بالسعادة في هذا الحين، وربما كان يتمنى من صميم فؤاده أن يكون كما ترجو، ولقد كان يعرف أن حبه لها سيقل إن وجد منها خفة وطيشاً ولكنه كان أنانياً كسائر الرجال في الحب
ولما لم يقل شيئاً عادى الفتاة إلى الكلام بصوت مضطرب وعيناها مغروقتان بالدموع وقالت:(إذا لم تعدني باحترامي فسأعود إلى المنزل)
فضغط على ذراعها برفق وأجاب:(أعدك بأن أسير على ما تريدين)
فزال اضطرابها وقالت وهي تبتسم:(هل تقسم على ذلك؟)
فقال:(أقسمت)
قالت:(تعال إذن نشتر التذاكر)
ثم ركبا القطار ولم يتكلما إلا قليلاً لأن العربة كانت مزدحمة فلما وصلا إلى الضاحية مشت معه إلى شاطئ السين، وأطلت على مائه المنعكسة عليه أشعة الشمس، وقالت:(ما أراك تظنني إلا حمقاء). قال:(لماذا؟) فقالت: (لأنني جئت معك وحدي إلى هذا المكان)
قال:(كلا. كلا. بل هذا شيء طبيعي!)
فقالت:(إنه ليس طبيعياً بالنسبة لي، ولكنه من الممل أن تتشابه الأيام والأسابيع والشهور، فإنني أعيش مع أمي معيشة لا تجديد فيها ولا تغيير. وهي عابسة دائماً لكثرة ما تعنيه من السأم، وأنا أحاول التغلب على نفسي وأضحك لأقل مناسبة. ولكن لا فائدة من ذلك. وقد أخطأت إذ جئت وما كان تخلفي ليحزنك)
عندئذ قبلها فرانسوا قبلة حارة، فغضبت فجأة وصاحت:(ما هذا يا مسيو فرانسوا! أبعد أن أقسمت؟)