حتى تملأ ذهني وتسيطر عليّ، فلا أملك عن تدوينها تأخراً، فآخذ القلم فإذا هي تجر وراءها أخوات لها، وإذا أنا أمضي في الكتابة لا أكف حتى يكون القلم هو الذي يقف، ثم أبعث بذلك إلى المجلة أو الجريدة، فإذا أبطأت بنشره أو أهملته سخطت وثرت؛ وإن نشرته فرحت به وقرأته بلذة، فإذا مضى عليه يوم عدت إليه فرأيت عيوبه. فقلت ليتني نقصت من هنا وزدت من هناك، وحذفت هذا أو أثبت ذاك. . . ثم لا يمنعني ذلك أن أعود إلى خلتي من الإسراع كرة أخرى. ولقد حاولت التنقيح والصناعة مرة فأفسدت من حيث توهمت الإصلاح، فعدت إلى طبعي. فإذا كان في الناس من يعجبه ما أكتب فالحمد لله. . .
وما سكت لقلة في الموضوعات، ولكن لجفاف في القريحة. ولو كان بي أن أكتب لوجدت في كل شيء موضوعاً لفصل، غير أنه لابد من العاطفة والفن، ولو كان الأدب الواقعي أن تسرد كل ما (وقع) لك لكان الناس كلهم أدباء؛ ولكن الأدب الواقعي أن تأتي بالصورة الجميلة، قد صقلها الطبع، وبرقشها الخيال، وزانتها العبارة الصحيحة، والسبك الدقيق. لكنك لا تخرج فيها عما (يمكن أن) يقع. . .
ولو أسعدتني القريحة لكتبت في وصف هذا الفتى الذي صحبنا في لجنة من لجان الامتحان كان فيها عالم الشام الشيخ بهجة البيطار ليصحح معنا أجوبة التلاميذ فكان كلما وجد استعارة أو مجازاً خط تحته خطاً، وكلما وجد ترادفاً من اللفظ أو مزدوجاً من الجمل مد مدّة فوقه، ثم نقص عليه من درجات التلاميذ درجة. فحاورناه في ذلك فكان من رأيه الذي تعلمّه في باريز وعلّمه التلاميذ الذي جعلوه معلمهم، أن المذهب الجديد ينكر ذلك ويعده غلطاً، وكانت حجته القاطعة على صحة رأيه أنه رأيه. . . وبذلك دفع كل ما ردّ به عليه الشيخ، وما بيّن له من سنن العرب في كلامها، وما جرى عليه بلغاؤها وما نزل به الكتاب. . . ومال ناظر المدرسة إلى (رأيه. . .) لأنه هو وحده بيننا الذي يحمل شهادة التخصص في اللغة العربية من. . . باريز!
ولو أسعدتني القريحة لكتبت في التعليق على الامتحانات وما يكون فيها من الوساطات والشفاعات والالتماسات وما نالني منها، وكم أبصرت في داري من وجوه ما كانت لتكون فيها لولا الحاجة. . . وطلب (الشفاعات). . . وما يحيق بالمدرس المستقيم الشريف من عنت ومشقة، وما يقال عنه وما يلقى. . . وما يتخذ التلميذ من طرق الغش والحيل، فإذا