للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العبارة الصارخة:

فرنسا! تذكري!! -

وهي عبارة مسطورة فوق قبر رجل استشهد في الدفاع عن الألزاس أيام حرب السبعين

فقالت: وماذا يهمك من هذه العبارة؟

فأجبت: أشتهي أن أوجِّه مثل هذه العبارة إلى وطني

وكنت في صبيحة ذلك اليوم تلقيتُ من مصر خطاباً يشهد بأن وطني لا يحفظ الجميل؟ فما هو ذلك الخطاب؟

هو خطابٌ له تاريخ يضيق عنه هذا الحديث

وفي طريقنا إلى قبر ميسيه مررنا بقبر حوله أحواض من الأزهار، فأخذتْ رفيقتي تجمع الزهر الذي تساقط على الأرض. ونظرتُ فرأيتُ أحد الحراس يراقبها من بعد، ثم انقض كالصاعقة يسألها عما جَنَتْ يداها، فأجابت: هذه أزهار ذوابل أسقطتها العواصف. فانصرف الحارس وهو مُجلّل بالخجل والكسوف!

ثم وصلنا بعد لأْي إلى قبر ميسيه وبجانبه تمثال الشاعر وهو كهلٌ لا تنطق معارف وجهه بأنه كان حُلم الغانيات في باريس

أما شجرة الصفصاف التي أوصى الشاعر بأن تُغرس بجانب قبره فقد رأيتها في صُفرة الموت

ثم قضينا بقية اليوم في تدوين ما كُتِبَ فوق القبور لأقارنه وحين تسنح الفرص بما يُكتب فوق المقابر المصرية، وهو مقال لم أكتبه بعد، وقد كان في بالي حين زرت مقابر الكرخ ومقابر بغداد

والكاتب قد يُجيل فكره في الموضوع الواحد عدداً من السنين

أين خطاب الدكتور طه؟ أين؟ أين؟

ولكن ما الموجب للحرص على خطاب صديق لم تصحّ لي صداقته غير عشرة أعوام كانت أقصر من عشرة دقائق؟

وماذا يهمني من أن يعرف أني لم أتحدث عنه بغير الصدق ولم تبق لذكراه في قلبي غير أطلال؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>