جئتن ثلاثين طائراً (سي مرغ) فرأيتن في المرآة سيمرغ، ولو جاء أربعون أو خمسون لانكشف الستر كيف تدركنا الأبصار. كيف تنال الثريا عين. النملة. ليس الأمر كما علمتن ورأيتن، ولا كما قلتن وسمعتن. ولكنكن خرجتن من أنفسكن فهاهنا مكانكن. فامحين فيه وضاع الظل في الشمس (بلغت الطير مقام الفناء وهو عند الصوفية أن يتجرد الإنسان من نفسه، ويخضع صفاته للصفات الإلهية ويرجع كما يقولون قطرة في البحر تموج بموجه. ويقول أبو سعيد في تعريف الفناء: إنه فناء الشعور بالبشرية - ولأجل توضيح لغة العطار الشعرية أنقل الجملة الآتية من كشف المحجوب:
(الفناء درجة من الكمال ينالها الأولياء الذين تحرروا من آلام المجاهدة، وخرجوا من سجن المقامات والأحوال، وانتهى طلبهم إلى الكشف، فرأوا كل ما يرى وسمعوا كل ما يسمع، وعرفوا كل أسرار القلب، ولكنهم أدركوا نقص كشفهم هذا فأعرضوا عن كل شيء، وفنوا فيما رغبوا إليه وفي هذه الرغبة فقدوا كل رغباتهم)
وراء هذه الحال حال أخرى يسميها العطار وغيره من الصوفية (البقاء في الفناء) ويقول عنها كتابنا هذه العبارة العجيبة. وهو يعترف أنها حال لا تشرح إلا بالتمثيل)
فلما مضى مائة آلاف من القرون، القرون التي لا زمان لها. أرجعت الطيور الفانية إلى نفسها فلما رجعت إلى نفسها رجعت إلى البقاء بعد الفناء
(وتأويل هذا بكلام الصوفية الآخرين: أن الإنسان يفنى عن نفسه - عن إرادته ورغباته وشهواته الخاصة فيبقى في الله، يريد من اجل الله، ويرغب في الله ويفعل كل شيء غير غافل عن الله طرفة عين هذه خلاصة ما في الكتاب - كما فهمته - والكتاب في حاجة إلى بحث مفصل، ولعله يتاح من بعد.
ثم يختم العطار (منطق الطير) بقوله:
قد عطرت يا عطار آفاق العالم، وهجت العشاق في كل مكان، تارة تنفث العشق المطلق، وتارة تغنى أغاني الحب لمن عشق، ففي شعرك كنز العاشقين وزينة لا تفنى للوالهين. فقد ختم عليك (منطق الطير) كما يحيط بالشمس ضوؤها.