وأما الحادثة الثانية فقد كانت تمثل فيها فرقة أنصار التمثيل والسينما رواية نسيت اسمها ولكن أذكر أن موضوعها كان يدور حول الصدق، وأن أبطالها التزموا الصدق فيها يوماً من أيام المسرح. . . وبين فصلين من فصول هذه الرواية تشرف الأستاذ سليمان نجيب بالمثول بين يدي الملك فسأله جلالته:(هل تستطيع أن تقول لي وأنت بطل من أبطال الصدق اليوم من هو الذي يصلح لأن يحكم مصر؟) فأجاب الأستاذ سليمان نجيب بقوله: (هو الرجل الذي تختارونه جلالتكم). . . وهي إجابة مؤدبة من الأستاذ سليمان نجيب، ولكن جلالة الملك كان غير شك يريد في ساعة الصدق هذه أن يسمع رأي رجل من الرجال المنتسبين إلى الفن، والفن هو أصدق الصادقين، وقد شرفه الملك بتوجيه هذا السؤال إليه ولكن ممثل الفن الذي تلقى هذا السؤال كان مؤدباً.
وأما الحادثة الثالثة فقد كانت في حفلة من حفلات الجمعية الخيرية، وقد ألقى في هذه الحفلة الشاعر النابغة محمود حسن إسماعيل قصيدة، فدعاه جلالته إلى مقصورته وحياه ولاطفه، وكان محمود إذ ذاك لا يزال يتسلق المجد بمشقة وتعب، فلما ظهر بإعجاب المليك به قفز إلى القمة ولم يعد شاعر في مصر يستطيع اليوم أن يطاوله.
من هذه الحوادث تستطيع أن نقول إن لجلالة الفاروق فضلاً على الفن فيما له من أفضال، فهو راعيه وهو موئله.
الدكتور أدهم
اللهم ارحم الدكتور أدهم، فقد كان يريد أن يعرفك، وكان يريد أن يصل إليك، ولكنه ضل الطريق، وكفاه شقاء أنه قتل نفسه حين ضل.
وقصة الدكتور أدهم مأساة قد يحسن عندها الصمت الحزين ولكني أوثر أن أقول فيها كلمة لأنها فرصة مناسبة - وإن كانت مؤلمة - يمكن أن تقال فيها كلمة من كلمات الإيمان والرضا.
مما هو ملحوظ أن أغلب الذين ينتحرون علماء ومفكرون يجرهم العلم والتفكير إلى الإلحاد.
ومما هو ملحوظ كذلك أن أغلب الفنانين يشقون في حياتهم شقاء مريراً ومع هذا فهم لا ينتحرون وإنما يصبرون، ويعيشون، ويحتملون ولا يشكون.