الاستقراء والتثبت أكثر مما تعتمد على الظن والتخمين) وقال فيها سلامه موسى. (لو أردنا أن نجازي فناناً لحق لنا أن نجازي الدكتور أدهم بأكرم مما يجازي به عالم فنان) ومما أذكره أن الدكتور أدهم كتب غير مرة في المجلة الجديدة التي كان يصدرها الأستاذ سلامه موسى، وعرَّفه الدكتور أبو شادي بأنه أكثر من شخصية، ومما أعرفه أنه كان من أول المكتشفين لشخصيته العظيمة، فشجعه على المضي في أبحاثه وأفسح له صدر مجلاته التي كان يصدرها، رغم تطرف رأيه وحرية فكره حرية غير معهودة في حياتنا الأدبية، ومن أهم ما نشره رسالته (لماذا أنا ملحد) التي رد عليها الدكتور أبو شادي برسالته (لماذا أنا مؤمن)، والتي شغلت الكثيرين من رجال الدين وقتاً غير يسير. ونشرت لأول مرة في مجلة (الإمام)، قم أفردت في كتاب، وذلك عمل ينطوي على جرأة كبيرة من المؤلف والناشر، لأن الرسالة صودرت عقب تداولها. وأول كتاب أصدره في مصر هو كتابه (مصادر التاريخ الإسلامي) الذي صودر بمرسوم ملكي من جلالة الملك فؤاد، وهو آخر مرسوم صدر من جلالته قبل وفاته. ومن هنا يعرف أن حياته الأدبية كانت قصيرة إلا أنها كانت ملأى بنشاط جدير بالإكبار والتقدير، فقد كان يعتكف الأيام المتوالية حتى ينتهي من وضع كتاب، أو إخراج بحث، أو يستوعب عدة مؤلفات قراءة ودراسة؛ ومن نتاج ذلك الاعتكاف كتابه (الأنساب العربية)، وكتابه (الزهاوي الشاعر). وقد اهتم الأستاذ سامي الكيالي صاحب مجلة (الحديث) السورية بدراسات أدهم فرحب بها واصدر بها أعداداً ممتازة، كدراسته للدكتور طه حسين، والشاعر التركي عبد الحق حامد، وأخيراً الأستاذ توفيق الحكيم، ومن أظرف ما يروى بهذه المناسبة أنه كان مختلفاً مع صاحب الترجمة على مولده، إذ كان توفيق الحكيم يذكر أن مولده في عام ١٨٩٨، ولكن أدهم يصر على أنه ولد في عام ١٩٠٣؛ ومما يدهش القارئ إيراد أدهم لأدلة منطقية لا يملك الإنسان معها إلا أن يسلم بخطأ توفيق الحكيم نفسه في معرفة مولده.
وكانت إدارة (الحديث) تستعد لإخراج عدد خاص بدراسته لميخائيل نعيمة، كما كانت تستعد إدارة المقتطف لإخراج دراسته لخليل مطران لتهديها إلى مشتركيها هذا العام، ولا أدري ماذا تم فيها، وإن كنت أعرف أن المؤلف كان يستعجلها في إخراج كتابه قبل وفاته، لأنه كان يريد أخذ نسخة معه إلى أوربا، إذ كان يعتزم السفر بعد تغير الموقف الدولي؛