هذا كذب وتدليس على الطبيعة والفطرة كما أرادهما الله فاحذروه! (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. . .) إن الحياة الشخصية إذا تكن بريئة نظيفة معتصمة بعروة الحق الواحد الذي لا يتعدد فهيهات أن تصفو لها وبها الحياة العامة. فإن النوازع النفسية هي الروافد للأفكار والأعمال. وأن الحق لا يعترف بسلطان الهوى (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض) فلا غفران من الحق لنسيانكم آلامكم وآلام أبناء جنسيتكم ودينكم في الجزائر وتونس ومراكش الذين جعلتهم فرنسا أمكم الروحية متخلفين عن قافلة الحياة العالمة العادلة بمائة وخمسين سنة. . .
إنهم ضربوا مدينتكم دمشق ظئر الإسلام الفاضلة الأصيلة العمرة بآثار مجدكم - بالمدافع في الثورة السورية الكبرى؛ ومع ذلك لم يبك عليها منهم باك، ولم يرث لها قلب راث. . فلماذا تبكون أنتم على باريس حينما جرعتها الأقدار غصص القصاص العادل والثأر لكم ولغيركم من عبيد الله المستضعفين؟!
ليست هذه شماتة، ولكنها أيضاً ليست صوفية بلهاء في الوطنية والجنسية، ترحم الجاني وتبكيه يوم ينزل به قصاص العدالة التي قامت بها السموات والأرض.
أجل، ليست ضعفاً وفسولة من (مقتول يبكي على قاتله. . .) وفي غير الحب!
إلا إذا تحررتم من أعدائكم، ولكن ما دمتم تحت النعال فلا تمسحوها وتجملوها بأيديكم. . . وما دامت النصال تنوشكم فلا تحدوها وتشحذوها وتسددوا السواعد التي تضربكم بها. . . وتسديدها هو أن تتغنوا بأي مجد لمن بها تجنوا عليكم ما داموا مصرين على تعذيبكم بمجدهم
ذلك هو منطق الطبيعة الصحيحة المزاح البريئة من التدليس وخديعة الضعف والعجز ونسيان القدر الضروري اللازم من الوحشية لكل إنسان يحرص على الكرامة الإنسانية التي لا تساوي الحياة تكاليفها إذا جردت منها. . .
هذا كلام يساق لمن يعتقد أن عالم الفكر والفن والأدب هو العالم الأصيل في حياة النفس الإنسانية، وأن ما عداه فهو على هامشها؛ وعلى هذا الأساس، إذا لم يؤثر هذا العالم الرفيع في النفس ويوجهها للخير، ويجعل حياتها وحدة متناسقة بريئة من التناقض، فلا جدال في أنه قد قام على أساس فاسد يجب تعديله وتصحيحه وعدم اللجاجة في الدفاع عنه.