بمنجاة من مخالفة الحديث، فأقاموا هذا المقام على غير شيء. . . وما الفرق بين وجود القبر وعدمه ونحن تعتقد أنه لا يضر ولا ينفع؟ وكيف يخفى على عالم أن في الحديث الصحيح الذي رواه علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره ألا يدع صنماً إلا كسره، ولا قبراً إلا سواه بالأرض؟ فما بالهم أحرص الناس على تشييد القبور وتعظيمها والوقوف بأعتابها؟ وهل يفعلون ذلك إلا استرضاء للعامة وابتغاء الخطوة عندها؟ فأين إذن أمانة العلم وكرامة العالم، وأين إرث الرسول؟
وأغرب من ذلك وأبعده عن الحق أن من العلماء من يستدل على الخرافة بأحاديث لا أصل لها إرضاءً للعامة. حدث من أسابيع أن قدم دمشق عالم تركي من علماء إسكندرون، فدخل المسجد فرأى حلقة نبيلة فجلس فيها، وكان المدرس من علماء دمشق المعدودين الذين يقرؤون بين العشاءين، فسمعه يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج كل ليلة من قبره بلحمه ودمه فيدور دورة في الأرض يرى فيها كل شيء ثم يعود إلى قبره. فقال له الشيخ التركي: من أين جئت بهذا؟ فأظهر المدرس الغضب وصرخ: ألمثلي يقال من أين؟ إذا شئت أن تتعلم فتعال إلي في داري أعلمك. فجاءه في داره، فبحث ونقب ثم أتاه بحديث ليس له سند معروف. فقال له: هذا حديث موضوع، فقال المدرس: لا بل هو صحيح، وصرفه من داره. فلما كان الغد دخل الشيخ التركي المسجد ومعه طائفة من الكتب المعتبرة التي تنص على أنه حديث موضوع، فكان جواب الشيخ أن صرخ: نحن ما عندنا وهابية. . نحن ما عندنا وهابية. . نحن من أحباء الرسول. وكرر ذلك حتى جمع عليه العامة فكادوا يبطشون به.
وأشد غرابة من هذه القصة ما أسمعه كل جمعة على كثير من منابر دمشق، من التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره. وما أدري كيف يكون حياً في قبره الحي عندنا هو الذي يأكل ويشرب ويتنفس؟ فهل هو صلى الله عليه وسلم حي في قبره بهذا المعنى؟ وإذا كان حياً فكيف نعتقد أنه مات سنة كذا، وكيف قام من بعده أبو بكر وعمر ومئات الخلفاء؟ وإذا ثبت أنه قد عاش كما يعيش الناس ومات كما يموتون فكيف يكون حياً في قبره إلا أن تكون حياة روحية برزخية لا نفهم ما هي؟ ولا ندرك صلتها بحياتنا الأرضية؟