العصفور - إنها تناسبك، وطار هابطا وحط على الشاطئ وأخذ يقص حكاية الصديق الصدوق.
الطائر الصغير - كان يعيش في أحد الأزمنة شاب نبيل يدعى (هانس)
فأر الماء - هل كان مشهوراً.؟
الطائر - كلا ما أظن أنه كان مشهوراً، اللهم إلا بقلبه الرحيم ووجهه الضحوك البشوش المستدير، لقد عاش في كوخه الحقير وحيدا وكان يشتغل كل يوم في حديقته التي لم يكن في القرية حديقة تدانيها في الجمال، فيها كان ينمو الزهر المنثور والورد الأحمر والورد الأبيض والأصفر والزعفران الليلكي والذهبي والبنفسج الأرجواني والريحان والياسمين وهكذا كنت تجد دائماً في الحديقة ما يقر العين وينعش الفؤاد.
وكان (لهانس) الصغير أصدقاء كثيرون، ولكن (هيو) الطحان الضخم الغني كان أكثر هؤلاء الأصدقاء وفاء وتضحية وقد بلغ من وفائه (لهانس الصغير) أنه لم يكن يمر بحديقته دون أن يعطف على الحائط ويقطف باقة أزهار كبيرة أو يجمع حزمة من الحشيش النظيف، وإذا كان الفصل فصل الأثمار ملأ جيوبه بالبرقوق والكرز.
وكان الطحان يقول: يجب أن ترتفع الكلفة من بين الأصدقاء الأوفياء، فيؤمن هانس الشاب على أقواله ويبتسم ويأخذه العجب كلما فكر أن له صديقا يحمل مثل هذه الأفكار النبيلة.
وكان الجيران أحياناً يتساءلون مستغربين: كيف أن الطحان الغني لا يعطي هانس شيئاً مقابل ما يأخذه منه في حين أن لديه مئات من أكياس الدقيق مخزونة في مطحنته وعنده ست بقرات حلوب، وقطيع كبير من الغنم المكسو بالصوف، ولكن (هانس) لم يزعج نفسه بمثل هذه الافكار، ولم يكن ليسره شيء بقدر ما كان يسره أن يصغي إلى الأقوال الغريبة التي كان يذكرها له الطحان عن تضحيات الصديق الصدوق.
وكان هانس الصغير يشتغل في حديقته ويعيش جد سعيد خلال أيام الربيع والصيف والخريف، ولكن حين يأتي الشتاء وليس لديه ما يبيعه من أثمار وأزهار كان المسكين يتألم كثيراً من البرد والجوع، وكثيراً ما كان يذهب إلى فراشه دون أن يتناول شيئاً من الطعام اللهم إلا قليلاً من التين الجاف أو شيئاً من الجوز اليابس، وفي الشتاء أيضاً كان دائم الوحدة لان الطحان لم يكن يأتي ليراه في ذلك الفصل أبداً.