أليس عمل بني قريظة من أخبث الغدر، وأخطر الأعمال؟ وأي فرق بينهم وبين جماعة النازي من الطابور الخامس في تشكوسلوفاكيا وهولندا والنرويج؟ وماذا يكون جزاؤهم من الرسول بعد أن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم، وأعانوا العدو على حليفهم في أشد الأوقات حرجاً؟ لابد من التخلص منهم سريعاً. ولهذا أمر الرسول المسلمين بعد انصراف الأحزاب ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة. وذهب إليهم وحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار، وقذف الله الرعب في قلوبهم وطلبوا الصلح، فقال رسول الله: تنزلون على حكمي؟ فطلبوا أن يحكم فيهم حليفهم (سعد بن معاذ) سيد الأوس، فحكم بقتل رجالهم، وسبي نسائهم وذراريهم، ثم نفذ القتل في سوق من أسواق المدينة. وفي عاقبة بني قريظة يقول الله في سورة الأحزاب:(وأنزَلَ الذينَ ظاهروهمْ من أهلِ الكتابِ من صَياصِيهِمْ، وقذفَ في قلوبهمُ الرُّعبَ، فريقاً تقتُلون وتأسِرون فريقاً، وأورثكم أرَضهُم ودِيارَهم وأموالَهم وأرضاً لم تَطئُوها، وكان الله على كل شيء قديرا)
لم يبق من أهل الكتاب - اليهود - إلا أهل خيبر، فرأى الرسول أن يأخذ بالأحوط وأن يستريح منهم بقوة السلاح،. فسار إليهم بعد صلح الحديبية ونزل بساحتهم وحاصرهم فامتنعوا بحصونهم، فشدد المسلمون عليهم الحصار حتى استولوا على حصونهم واحداً بعد الآخر، وطلبوا الصلح، فصالحهم على نصف ما تغله أرضهم على أن تبقى في أيديهم، وللمسلمين أن يخرجوهم منها إذا شاءوا. ثم صالح أهل فدك على مثل ما صالح عليه أهل خيبر.
من هذا نرى أن جماعة الطابور الخامس من أهل الكتاب هم اليهود، وقد قدمنا عملهم في السلم في المقال السابق، أما عملهم في الحرب فهو - كما في هذا المقال - أنهم كانوا ينقضون العهود في أشد الأوقات حرجاً، ويخونون الله ورسوله عندما يكون المسلمون في أشد الاطمئنان إليهم، وفي أعظم الحاجة إلى نصرتهم أو حيادهم، وأنهم دبروا قتل النبي في حين أمنه إليهم وثقته بعودهم.
بقي من الطابور الخامس في القرآن المنافقون وحديثنا عنهم قريب إن شاء الله.