للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحب عن رشاده فيهوي إلى عار الأبدّ!

أربعة أشقياء لو شاءوا لاستقامت لهم الحياة واستقاموا لها فسَعِدوا، وضعتْهم التقاليدُ بين شِقَّي رحىً طحون تشوك أن تحطمهم حطمة الموت فلا نجاة!

وضاق الفتى لنفسه وضاقت به، ولم يطق الصبر بعد، فأجمع أن يكون سيد نفسه فلا يسمع لقول أحد، وأعلن العصيان!

وتهالك أبوه في مقعده وطأطأ رأسه وجاشت نفسه بآلامه، وتحيرت دمعتان في عيني الرجل الذي لم يبك قط، ووقف الفتى رافع الرأس وفي عينيه بريق الإرادة الصارمة، ونظرت أمه إليه فأطالت النظر، ثم هتفت بضراعة: (عابد!)

وظل الفتى صامتاً لا تطرف عيناه، فلو أن القدر يتحدث بلسان أمه ما ثناه عما اعتزم!

وبلعت أمه ريقها وابتسمت، وأشرقت في وجهها مسحة هدوء ظاهر؛ ثم أردفت: (أجاد أنت يا عابد؟)

وضحك الفتى ساخراً، وأجاب: (نعم، ولا بد. . .!)

ووقفت الأم، ثم تقدمت في خطوات ثابتة حتى وضعت يدها على كتفه، وقالت في لهجة الأمر والثقة: (ذلك حقك يا عابد، ولكن. . . ولكنك لن تفعل!)

وابتعد الفتى مغضباً وهو يقول: (بل إنني سأفعل، سأفعل؛ سأتزوجها ولو. . .)

وقاطعته أمه: (. . . ولو كانت أختَك. . . . . .!)

وسكت عابد وجحظت عيناه مدهوشاً؛ واسترسلت أمه: (. . . بلى؛ أنها أختك يا عابد؛ لقد رضعتها من ثدي واحدة دهراً طويلاً يا بنيَّ من طفولتك؛ أتراك تريد أن تتزوج أختك يا عابد. . . .؟!)

ودار رأسُ الفتى وأوشك أن يسقط، وتهاوى على كرسيه لا يكاد يعي، وغَشَّى عينيه الدمع. . .

وبدأ منذ اليوم تاريخ جديد، أما الفتى فراح يعالج نفسه بالصمت والوحدة لعله أن ينسى؛ ولكن صورتها ما برحت تتخايل لعينيه في فنون؛ لقد استطاع أن يقهر نفسه على السلوان ويسومها الرِّضا؛ ولكنه لم يستطع أن يتصامّ عن تأنيب الضمير ووخز الندم كلما تذكّر أن أمينة أختُه، وأنه نال منها ما لا ينال الأخ من أخته وترك لها خِزي الدهر وعار الأبد؛ فلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>