عن إبانته والإفصاح عنه، بينما تعالج المسرحية قضية بسيطة ومعاني عادية يجب أن تلتزم مكانها من التعبير المباشر الصريح دون إبهام أو إيهام، وضربنا في ذلك المثل بالمقبرة البحرية. ويمعن الكاتب في التطبيق الأعرج، فيعكس على نفسه الغاية إذ يصعد إلى الثلج مريداً خلاص النفس من ألم الإحساس البشري قياساً على الفكرة التي رمز العقاد إليها بالثلج مريداً (الإدراك المجرد) فأخذنا عليه اعتسافه في التطبيق على (النفس) هكذا إذ يحرمها بطريقة (استبدادية عرفية) حظها المقسوم المحتوم من الشعور باللذة أو الشعور بالحياة.
ذلك شأن المسرحية وشأن المدافع عنها، وقد عز علينا أن يخونه التوفيق في محاولاته العجيبة في نواحيها الأخرى، من ذلك أنه انتهج طريقة المداورة فأسرف على نفسه حين تكلم عن حظ الأدباء من الفلسفة وما يجب أن يأخذوا به أنفسهم، وتلك بديهة لا خلاف عليها، وإن كنا نعجب له بعد ذلك حين أخذ نفسه بالاعتذار عن الأستاذ العقاد قائلاً:(لا لوم ولا تثريب على أستاذنا العقاد أن يورد قصيدة من شعره تحمل في طياتها نزعات فلسفية لمدرسة معروفة) كأنما العقاد قد أتى بهذا ما يعاب، ولكنه الخلط ومجرد الكلام بما لا يجدي في دفع الإقحام.
ويزعم الأستاذ طليمات أننا قلنا إن المذهب الرمزي في الأدب ليس إلا ضباباً كثيفاً من الإبهام والإيهام، وتلك دعوى باطلة مردودة لم نقل بها وإنما هي من بدائع مخيلته، وهو يعود في مقاله الأخير إلى بصيرة برجسن بكلام لا يخفى مغزاه على المشتغلين بالأدب والفلسفة. ولقد عجبت له وايم الحق وهو يشفق (أن تسوخ قدمه) فينكر الفلسفة على (إبسن) بحجة جريئة هي أنه (ليست له مدرسة فلسفية بمعالمها وحدودها) ورحم الله فلسفة الاجتماع!
ولسنا من أصحاب الدعوة السياسية نريد أن نؤلب بها الجماهير أو نقود الدهماء، وإنما نتحدث إلى العقول والقلوب ونسوق الدليل ونأتي بالبرهان، وإنما هو حديث الأدب الخالص الذي يتناول الدرس والاستقراء بالبينات دون الشبهات ويعرض لآثار الأدباء دون ذواتهم
فالذاتية لا اعتبار لها في هذا المجال، وهي لا ترفع من قدر الكاتب إلا بمقدار ما يصيبه